الأهرام
ابراهيم حجازى
واللـه زمان يا انتماء!.
>> مدن مصر وقراها وكفورها ونجوعها.. على مدى شهر تقريبًا.. استدعوا أو استرجعوا.. أجمل ما نملك فى صدورنا وعقولنا وقلوبنا...

عاشوا وتعايشوا واستمتعوا بمفرداته بكل ما فيها من إثارة وترقب وفرح وقلق وأمل.. وبكل ما يحمله من حب وتَجمُّع وتوحد وترابط وتفاهم وتراضٍ.. وكل ما يميزه ويضعه فى مكانة متفردة...

وهل فى الدنيا إلا الانتماء.. وحده القادر على أن يجمع الغنى والفقير والمتعلم والأُمِّى والكبير والصغير.. يجمع كل أطياف الوطن.. إلا الجماعة.. يجمع ملايين الشعب على شىء واحد!.

الانتماء نعمة كبيرة ومنّة عظيمة.. من الله عز وجل إلى عباده.. على كل أرض وفى كل وقت. مِن البشر.. مَنْ استوعب هذه النعمة وفهمها وحافظ عليها وتصالح معها وقادر على استدعائها فى لحظة.. وفى البشر من لا يعرف عنها شيئًا.. ونعمة الله علينا.. أنه جعل الانتماء.. جزءًا من نسيج أجسادنا.. يستحيل أن نفقده أو ننساه.. يمكن فى أوقات الهرتلة وتعظيم المصالح الشخصية والانصياع للأكاذيب والفتن.. يمكن أن يأخذ الانتماء جانبًا ويكمن.. لكنه أبدًا لا يرحل.. لأنه جزء أصيل من مكونات الشخصية المصرية المتفردة.. بشهادة خاتم المرسلين سيدنا رسول الله عليه الصلاة والسلام.. خير أجناد الأرض وفى رباط إلى يوم الدين.. والانتماء كلمة السر!.

إذن نحن من أنعم الله عليهم بأن يبقى الانتماء فى صدورنا مادام فيها نبض!. ونحن من أكرمهم الله بعظمة الانتماء فى كل الأوقات ومختلف الأحداث.. فى الحلوة وفى المرة.. فى الفرح وفى الحزن.. فى المحن وفى الانتصارات!.

فى عام 1967 كانت هزيمة 5 يونيو أسوأ محنة.. لكن سبحان الله.. فجرت كل طاقات الانتماء والولاء بين المصريين إلا الجماعة!. المصريون توحدوا والذى جمعهم ووحدهم.. انتماء هائل لوطن عظيم.. فى صدورنا وعقولنا ووجداننا!. انتصار أكتوبر العظيم.. فَجَّر كل طاقات انتماء المصريين.. ملايين المصريين على قلب وعقل ونبض رجل واحد!. إنه الانتماء العظيم لوطن أعظم!.

فى 30 يونيو 2013.. المصريون استشعروا الخطر الداهم الذى فيه مصر!. الخطر.. خطر الإخوان.. هو من فَجَّرَ وأطلق طاقات الانتماء.. الذى جمع 30 مليون مصرى ومصرية على إسقاط الإخوان.. دون سابق اتفاق أو حتى تلاق!. إنه الانتماء يا سادة!.

الانتماء هو من أخرج 40 مليون مصرية ومصرى فى 26 يوليو 2013.. فى رمضان وفى الصيام عندما طلب المشير السيسى وزير الدفاع وقتها.. نزول المصريين للميادين لتفويض جيش مصر فى مواجهة إرهاب محتمل!.

... والإرهاب المحتمل بات واقعًا.. ومصر فى حرب شرسة ضده من بعد 30 يونيو 2013!. حرب كانت ولا تزال كفيلة باستدعاء ما داخل كل مصرى من انتماء.. لكن لم يحدث!. لماذا؟.

لأن الإرهاب بالسلاح.. إلى جواره حرب أخرى لا تقل ضراوة أو شراسة.. حرب بالكلام والأكاذيب والشائعات والفتن.. إنها الجيل الرابع والخامس من الحروب!. حرب رهيبة غير منظورة.. لأنها لا تخلف وراءها قتلى على الأرض.. إنما تقتل عقولاً وتُخَرِّب صدورًا وتزرع كراهية وتصنع فِتَنًا!.

حرب رهيبة تقودها وتخطط لها أجهزة مخابراتية عديدة.. حرب سلاحها الكلمة.. فى وقت مصر فيه دون هيئة إعلامية تتصدى بالكلمة لطوفان الأكاذيب والفتن الذى يجتاح مصر!.

حروب الجيل الرابع والخامس الإرهابية بالكلام والملازمة للحرب الإرهابية بالسلاح.. فى غياب إعلام الدولة.. إضافة إلى الموقف الغريب المريب للبعض فى إعلام النخبة وفى الإعلام وفى مجالات أخرى.. هذا الموقف غَلَّب المصالح الشخصية على مصلحة الوطن.. له دور كبير جدًا فى دفع الانتماء إلى أن يكون كامنًا!. .. وعلى سبيل المثال لا الحصر.. تعالوا نتذكر معا بعض ما حدث!.

مشروعات هى بكل المقاييس قومية.. لكنها قوبلت بتجاهل إعلامى غريب.. وكأنها شىء عادى.. أو أنها لا ترقى حتى للعادى!. مشروع قناة السويس. عمل جبار ومشاركة الشعب فى التمويل إبهار.. وبدلًا من استنفار الإعلام لذلك والبناء عليه.. إعلام تجاهل وآخر شكك!. إعلام ثالث تربص!.

النجاح المبهر فى التصدى لأزمة مستحكمة ممثلة فى التفاوت الرهيب بين معدلات إنتاج الكهرباء ومعدلات الاستهلاك ورأينا جميعًا نتائجها فى أن انقطاع التيار الكهربائى هو القاعدة والاستثناء وجود كهرباء!. النجاح المبهر فى إنهاء هذه الأزمة. تم فى لا وقت بحسابات الزمن.. وأظنها كانت أزمة مستحيلة لأن المطلوب من محطات توليد الكهرباء.. أضعاف أى ميزانية والوقت المطلوب للإنشاء فى أحسن الأحوال سنوات لا سنة!. المعادلة المستحيلة تم حسمها فى أقل من سنة.. ومرة أخرى قوبل الإنجاز بنفس التجاهل الإعلامى الغريب.. وليت الأمر توقف على التجاهل.. إنما كانت هناك يوميًا عمليات اختلاق لأزمات وهمية هدفها ترسيخ الخلافات وزرع الكراهية ونشر الفتن.. وبدلًا من إسعاد الشعب بالنجاح فى إنهاء مشكلة مستحكمة.. ينجرف الشعب لليأس من المناخ المسموم المحاصر به!.

شبكات طرق جديدة.. بدلًا من الفخر بإنشائها.. نجد إعلامًا يقول: إننا لم نقم بثورتين لأجل إنشاء الطرق!. العدالة الاجتماعية.. ذلك الشعار المرفوع من ثورة يوليو 1952 وأصبح عنوانًا لثورة 25 يناير.. عنوانًا للمزايدة على مشاعر أهالينا البسطاء!. فقط عنوان وشعار ولا أحد قال كيف يكون التطبيق؟!.

شعار العدالة الاجتماعية المرفوع من ثلاثة أرباع قرن.. أول تطبيق له كان من شهور فى الأسمرات بالمقطم.. وبعدها بشهور فى غيط العنب بالإسكندرية!. مصريون الحياة طحنتهم.. فى يوم وليلة.. انتقلوا إلى شقق محترمة فى عمارات محترمة وتم تجهيزها بأثاث محترم!. أليست هذه هى العدالة الاجتماعية والعيش والحرية؟.

قد يقول البعض: ما حدث هو دور الحكومة وواجبها. وأنا أؤيد هذا لكن مع إضافة صغيرة!. إن كان ذلك واجب الحكومة.. فواجبنا جميعًا ــ مُتَّفِق وغير مُتَّفِق ــ إذا اعتبرنا اختلافنا هدفه الوطن ورفع شأن الوطن.. واجبنا أن نرحب بكل عمل إيجابى إن كنا حقًا هدفنا الوطن!. طبعًا شىء من هذا لم يحدث.. لأن غير المتفق أو المعارض.. يرفض عَمَّال على بَطَّال.. ويشكك على طول الخط أو يتجاهل عمدًا كل ما هو إيجابى أو يصنع ويرسخ الخلاف!. برامج يومية الهدف منها ترسيخ فكرة أن الخلاف فى أى حوار أمر حتمى.. وأن حدوتة الرأى والرأى الآخر والإقناع والاقتناع لم يعد لها وجود!. من الآخر هى دعوة مفتوحة عنوانها.. «تعالوا نختلف»!.

أكتفى بهذا القدر من الأمثلة التى تجعل أى انتماء يهاجر وليس يكمن.. وعفوًا للإطالة وإن كان لابد منها.. لأننا بطبعنا ننسى.. وواجبنا الآن أن نتذكر لندرك.. أن حالة الانتماء المبهرة لمنتخب الوطن الكروى.. التى عشناها قرابة الشهر خلال منافسات كأس الأمم الإفريقية.. هذه الحالة الرائعة بكل ما فيها من مشاعر متباينة.. شارك فيها الشعب بأكمله.. عدا «الجماعة».. شارك المنتخب الموجود على بعد آلاف الكيلومترات.. عاش معه المسئولية وعايش معه القلق.. عاش الفرحة بكل انتصار وشعر بالفخر للروح العالية للاعبيه والمجهود الهائل والإحساس بالمسئولية التى عليها لاعبو المنتخب الوطنى.. الذين نالوا احترام وتقدير الجميع.. جميع منتخبات إفريقيا فى البطولة!. كلنا شعر هنا فى مصر بالامتنان والاعتزاز بالمنتخب والنتائج التى حققها والتى لم يكن أحد منا يتوقعها!. نعم.. كل التقديرات فى أحسن الظروف تخطى الدور التمهيدى.. إلا أن الرجال فاجأوا الشعب بالوصول للنهائى.. وخسروا مباراة النهائى..

شعرنا بالحزن وبنفس القدر أحسسنا بالفخر والامتنان والتقدير لهؤلاء الرجال الذين أعادونا للانتماء وأعادوا الانتماء لنا.. رغم أنف الكارهين فى الجماعة وغيرها!.



للعلــــــم

>> خطة كوبر مدرب المنتخب المصرى الكروى.. التى تعتمد على الانكماش الدفاعى عند فقدانه الكرة والانتشار الهجومى عند امتلاك الكرة!. هذه الطريقة أفضل من يطبقها فى العالم سيميونى مدرب أتلتيكو مدريد!. الحكاية ليست انكماشاً للدفاع وانتهينا!. الحكاية تتطلب لياقة بدنية هائلة.. للدفاع بثمانية لاعبين والهجوم بثمانية لاعبين!.. لذلك أتلتيكو أقوى دفاع فى إسبانيا!.. وواحد من أقوى أنديتها فى الهجوم!.

نعود إلى كوبر والمنتخب.. والرجل يحسب له أنه وصل إلى نهائى البطولة ونحن من سنوات نفشل فى تصفيات الصعود لها!. يحسب له أنه يتصدر مجموعة مصر فى تصفيات كأس العالم.. ولكن!.

خطة كوبر تتطلب لياقة بدنية عالية جدًا.. وهى غير متوافرة لتكملة الشق الثانى من الخطة وأقصد الهجوم!. دافعنا بعشرة لاعبين وهاجمنا باثنين أو ثلاثة!.

فى اعتقادى أن خطة كوبر.. حرمت أغلب اللاعبين من إمكاناتهم المميزين بها.. التى كان بالإمكان الاستفادة منها فيما لو تحركت خطوط الفريق الثلاثة.. كتلة واحدة.. دفاعاً وهجوماً.. بما يقلل مساحات الجرى التى يقطعها اللاعب.. بما ينعكس على مجهوده.. بما يمكنه من استغلال ما يملك من مهارات!.

...............................

>> مؤكد أننا كسبنا أساس منتخب كروى جديد.. والمؤكد أن فى مصر لاعبين لم يحظوا بشرف المشاركة فى كأس الأمم لأسباب مختلفة ليس هذا وقتها والأهم الآن أن يتم تدارك هذه الأسباب فيما هو قادم.. أخذًا فى الاعتبار أن شرف الانتماء لمنتخب الوطن.. شَرف لا يضاهيه أى شىء فى الدنيا!. وعلى الجانب الآخر.. إدراك أن حرية الاختيار.. اختيار لاعبى المنتخب..مسئولية هائلة لاتعرف.. حبا أو كراهية ولا مكان فيها لمجاملة أو تربص!.

...............................

>> الاحترام والتقدير والإعجاب لكابتن مصر عصام الحضرى ليس فقط لأنه تصدى لضربتى ترجيح فى مباراة فاصلة فى وقت صعب جدًا.. إنما لأمر أظنه الأهم والأصعب على الإطلاق!. أتكلم عن نموذج متفرد من العزيمة والإصرار والثقة بالنفس.. حطم الحضرى بها حاجز المستحيل.. وأثبت لنا بل لإفريقيا كلها.. أن المستحيل وهم يخشاه من لا إرادة له وعزيمة لديه!. من لا يعرف الإصرار طريقه ومن لم يتعرف على ملامح الثقة داخله!.

أن يجلس الحضرى على القمة.. قمة حراس مرمى إفريقيا فى عمر 44 سنة.. هذا إعجاز يكشف عن إرادة فولاذية وثقة لا سقف لها.. تحدى بهما الحضرى الزمن و المستحيل!.

...............................

>> الرياضة ممثلة فى بطولة كروية مثل كأس الأمم.. جعلتنا نتعرف على أعظم ما نملك داخلنا.. على الانتماء الهائل للوطن والحب الجارف للوطن.. على فكرة الرياضة ليست وحدها من يحرك الانتماء داخلنا.. هناك أنشطة أخرى.. وهذه فكرة لواحدة منها أقدمها للسيد وزير الشباب والرياضة المهندس خالد عبدالعزيز.. فكرة إنشاء معسكر عمل دائم للشباب على مدى الساعة واليوم والأسبوع والسنة.. لكل شباب مصر. طلبة وعمالا وفلاحين. معسكر عمل فى العاصمة الإدارية الجديدة. أفواج متلاحقة.. كل فوج لمدة أسبوع. تعالوا لنعطى الشباب فرصة المشاركة بالعمل والجهد والعرق فى بناء عاصمة المحروسة الجديدة.. تعالوا لنعطى رجال الأعمال فرصة رعاية هذا المعسكر الدائم الذى فيه شباب مصر يشارك فى بناء مستقبل مصر. رعاية رجال الأعمال المادية تغطى تكاليف المعيشة مع مصروف يومى رمزى للشباب. أنا كنت واحدًا من الذين شاركوا زمان فى معسكرات زراعة الصحراء فى منطقة وادى النطرون.. معسكرات عمل بجد..ومشاركة بجد!. وعرفنا مبكرًا قيمة الجهد والعرق والمشاركة بجد فى عمل للوطن.. عرفنا بعدها القيمة والمعنى من هذه المعسكرات..

من يزرع ويبنى فى الوطن.. مستحيل أن يُخَرِّب ويهدم الوطن!

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف