الأهرام
د. نادر نور الدين
الصادق المهدى والبحث عن إدانة لمصر
بعد ثلاثين شهرا فى المنفى وعشية الإعلان عن انتهاء منفاه كتب الصادق المهدى مقالا مطولا فى إحدى الصحف اليومية المصرية بعنوان «الإنسداد الفكرى والسد النهري» يبدى فيه مهموما بالبحث عن إدانة لمصر عبر التاريخ واتهامها باستغلال النهر لصالحها فقط فى جميع الإتفاقيات منذ عام 1902، وثناء لإثيوبيا وسدها وتبريره وإعطائها الحق كاملا فى إقامة سد ضخم ضد القانون الدولى للأمم المتحدة للأنهار. ودعونا نفند ماذكره «الإمام» من أمور تستحق المراجعة.

قوله عندما أبرمت مصر والسودان إتفاقا حول مياه النيل عام 1959 اتفقت الدولتان على ولاية ثنائة على مياه النيل ورفضتا مشاركة باقى دول الحوض لهو قول مغلوط لأنه لم يكن هناك ولاية لكامل مياه النهر وإنما تم حساب متوسط ماتعودنا أن يصل إلى الحدود المصرية خلال المائة عام الماضية ولم نأخذ بالحد الأقصى البالغ 124 مليار متر مكعب وإنما تم الأخذ برقم 84 مليارا فقط.

القول بأن السد العالى كان السبب فى بدء الحرب الباردة مع دول المنابع قول غير صحيح، لأنه لم يترتب عليه خصم أى حصص مائية من دول الحوض و أنه قام بترويض مياه نهايات النهر وفيضانه العارم المدمر والذى يذهب بالمياه العذبة الثمينة إلى الهدر فى البحر المتوسط، وأشادت به الأمم المتحدة ردا على شكوى إثيوبيا ضد مصر حين وصف خبراء الأمم المتحدة السد العالى بأنه أفضل مشروعات القرن ولا يضر بأحد.

البحث عن اختيارات منتقاه من تصريحات صحفية بالقول بأن نبيل فهمى وزير خارجية مصر الأسبق صرح فى يوليو 2016 بأن الإثيوبيين عرضوا علينا بناء سدودا أصغر من سد النهضة ولكننا رفضنا بسبب العجرفة وغياب التقدير الإسترتيجى السليم، ثم ماجاء فى تصريحات صحفية أخرى فى نهاية ديسمبر الماضى بأن وزيرا إثيوبيا عرض فى مؤتمر صحفى فى الخرطوم على مصر والسودان الإدارة والإنتفاع والتمويل المشترك لسد النهضة ولكننا تجاهلنا العرض!! هذا الكلام غير صحيح وأن عكسه هو الصحيح حيث أن بناء السد فى ديسمبر عام 2016 وصل إلى مرحلة متقدمة وأن إثيوبيا ومنذ 2011 وهى ترفض أى شراكة مصرية أو سودانية فى تمويل السد أو المشاركة فى إدارته وأعلنت مرارا أنه سد إثيوبى خالص وأنها تطبق مبدأ السيادة المطلقة حتى على الموارد المشتركة وهو مايرفضه المجتمع الدولى وقوانين الأمم المتحدة، وإذا كانت مصر رفضت العرض الإثيوبى كما تدعون فلماذا لم تقبله السودان؟!.

يعترف الصادق المهدى بأن إثيوبيا تفكر منذ عام 1997 فى الإنتقام من مصر بسبب بنائها للسد العالى واقتسام مخزونه المائى مع السودان لأنها ترى أن البحر المتوسط أولى بمياه النهر من الشعب المصرى وكأن دولة آخر النهر صاحبة المناخ الجاف غير الممطر ليس من حقها الحفاظ على المياه القليلة التى تصلها والتى لن تضر غيرها دون أن يفكر الإمام بسؤال إثيوبيا بماذا أضركم بناء السد العالي؟! ويدعى الإمام بأن مايجمع دول المنابع المنفصلة جيولوجيا وجغرافيا (منابع البحيرات الإستوائية ومنابع الهضات الحبشية) هو الرفض الكامل لإتفاقية 1959 وهذا غير صحيح لأن الرفض كان لكامل الإتفاقيات بدءا من إتفاقية 1902 والتى وقعتها إثيوبيا الحرة غير المستعمرة ثم إنكرتها ثم إلى إتفاقية 1929 بين مصر ودول منابع النيل الأبيض فقط والتى لم يكن لمصر أى مانع من إلغائها.

فى مقترحات الحلول يقول الصادق المهدى أن مايصل لنهر النيل من مياه موارد النهر لا تتجاوز 4.5% فقط وأنه ينبغى النظر فى ترويض مياه المستنقعات المنتشرة فى بلاد المنابع، وهنا نقول إنه اعتراف كامل بأن مصر والسودان معا تستفيدان فقط من 4.5% من موارد النهر وأن 95.5% لصالح دول المنابع ومع ذلك ترفض دول المنابع هذه القسمة وتصر على عدم إحتساب مياه الأمطار أو المياه الجوفية التى تشحنها مياه الأمطار دوريا ضمن قسمة موارد النهر ومياهه وتصر على اقتسام مايجرى فقط من مياه بين ضفتى النهر ويصل لمصر والسودان متناسين مايتمتعون به وحدهم من مياه وخيرات موارد النهر وبحيراته، كما أن الإمام تناسى أن إتفاقية عنتيبى قد حددت تماما أن مياه هذه المستنقعات ملك خالص للدول التى تقع بها وحدها وأن تحافظ عليها من أجل الحفاظ على التوازن والتنوع البيئى. لم ينس الصادق المهدى فى حواره أن يروج للاستثمار الزراعى فقط فى السودان دون غيرها من دول حوض النيل مدعيا أن السودان شمالها وجنوبها يضم ثلثى الاراضى القابلة للزراعة فى دول حوض النيل وهذا غير صحيح حيث إن تنزانيا تمتلك وحدها 90 مليون فدان قابلة للزراعة وأن هناك مساحات كبيرة أيضا فى كينيا وأوغندا والكونغو ورواندا وبروندي، وأن الاستثمار الزراعى مياه أولا وطاقة ثانيا وأرضا ثالثا.

القول بأن التصويت داخل مجموعة دول حوض النيل للموافقة على إقامة السدود والمشروعات النهرية يكون بعدد السكان وأن يكون لكل 10 ملايين من السكان صوتا قول خاطئ! فدولة الكونغو مثلا التى تسهم فى النهر بنهر السمليكى فقط والمقدر تدفقاته النهرية مابين 4 إلى 6 مليارات متر مكعب سنويا ولديها نهر الكونغو الغزير والذى يلقى فى المحيط سنويا بنحو 1284 مليار متر مكعب سنويا أى أكثر من 15 ضعفا لمياه النيل (وليس عشرة) ونحو 2.6% فقط من سكانها يعيشون فى حوض النيل وإثيوبيا 94 مليونا يعيش منهم 34% فقط فى حوض النهر، ومصر 92 مليون يعيش منهم 96% فى حوض النهر، وبالتالى فإن الحكمة هنا تقتضى بأن يكون التصويت ليس بعدد السكان المطلق ولكن بعدد السكان الذين يعيشون فى حوض النهر فقط.

إعتراف كاتب المقال بأن إثيوبيا يمكنها استخدام السد مستقبلا فى حجب المياه عن مصر والسودان كعقاب عن خلافات سياسية أو استخدام المياه كسلاح فتاك ضد مصر!! ونقول إن هذا الأمر كان السبب فى تبنى الأمم المتحدة لقانون تنظيم مياه الأنهار الدولية ومنع دول المنابع من بناء سدود ضخمة بينما السد الإثيوبى يصنف على كونه أضخم السدود الإفريقية وضمن السدود العشرة الكبرى فى العالم ولم نسمع من الصادق المهدى أى إدانة لإثيوبيا عن هذا الإختراق الإثيوبى للقانون الدولى تحسبا لسيطرة إثيوبيا على مياه النهر، وقد رفضت إثيوبيا التعهد كتابة بالحفاظ على تدفقات النيل الأزرق المقام عليه السد عند نفس معدلاتها قبل بناء السد ونرجو أن يكون للإمام دور فى إقناعهم بالتوقيع على هذا التعهد كتابة مثلما وقعت مصر والسودان إعلان مبادئ السد والإعتراف به. وفى النهاية نود أن نشير إلى أن كلام الإمام سبق أن طرحه فى مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية فى العام الماضى وناقشناه وجها لوجه وأوضحنا له أن إثيوبيا تقيم سدها الضخم لصالحها الوطنى فقط وليس لإفادة السودان أو غيرها.

مستقبل السودان لن يكون إلا مع مصر، وينبغى الحديث دوما عن الحقوق المصرية السودانية معا وليس عن صالح طرف دون الآخر.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف