الشمس تغيب.. وتختفي في الأفق البعيد.. والزهور تذبُل. وتحني رءوسها.. ويضيع أريجها.. والربيع ينتهي إلي خريف.. وأوراق صفراء علي أرض الطريق. والصحة تنتهي إلي علل وسقم.. والحياة نفسها تنتهي إلي موت. والامبراطوريات تزدهر وتندثر. والحضارات تطوي صفحات المجد والفخار. والقارات يبتلعها المحيط والنجوم تنفجر في فضاء الكون وتختفي إلي الأبد.. وعالم الظواهر حولنا عالم خادع مخادع يتلون كالأكاذيب ويتحرك إلي زوال وفناء، وكأنه رسوم علي الماء أو كأنه نقش علي رمال تذروه الرياح.. هو الله.. الذى يحرك كل شئ..
والله ليس من هذا العالم.. وإنما هو ohgri. لا يمكن لله أن يمرض أو يشيخ أو يموت، ولا يصح أن نتصوره وهو يتابع حكاية وحكاية وتفسيراته التى لا نعرف طريقا لها الا طريق الصواب والعقل والمنطق والفكر الخلاق الذى يحلق فى عالم لا نهائى فى الحق والخير والله والسلام.
العالم باطل،
والله حق.
العالم زائل،
والله دائم،
العالم متغير،
والله ثابت.
العالم سجين فى حدود الزمان والمكان.
والله متعال على الزمان والمكان.. لا يتحيز فى مكان فليس له حجم ولا مواصفات مكانية.. ولا يمكن أن يقال إنه فوق أو تحت أو عن يمين أو شمال.. أو داخل أو خارج، وهو لهذا لا يحل فى بدن، ولا يتحيز فى حيز، ولا يتجسد فى صورة أو شكل.
ولأنه متعال على الزمان فإنه ليس له عمر وليس له بداية أو نهاية، وليس له ماض وحاضر ومستقبل.. وإنما هو حضور مطلق.. وآن مستمر.. وديمومة أبدية.. ماثلة فى الغيب والشهادة على الدوام.
ولا يصح أن نقول عنه إنه ينمو أو يتطور أو يكبر أو يتضخم أو يزداد فى القوة أو يتكامل.. لأنه الكامل ابدا.
ولهذا فهو الملجأ والأمان من خضم الاضطراب، تلقى النفوس اليه مراسيها كما ترسو السفن وتلقى بمراسيها الى القاع الساكن وتستمد ثباتها، فهو الصمد الذى يصمد إليه.
نحن فى القيد (فى الزمان والمكان).
والله فى الإطلاق (الأزل والأبد) ليس له مبتدأ ولا منتهى ولا حدود، كامل مع كل شىء فى كل وقت فى خفاء.
وهو «السميع» مطلق السمع بدون إذن وبدون أدوات.. هو السميع بذاته.
وهو «البصير» بدون بصر، وبدون عين، وبدون أعصاب بصرية.. هو البصير بذاته.
وهو «المتكلم» بدون حروف وبدون كلمات وبدون لسان وبدون شفتين.. هو المتكلم بذاته يلقى الينا بالمعانى فنسمعها على أية لغة يشاء.
وهو «الأول» قبل الزمان وقبل خلق العالم حينما كان ولا شئ معه.
مازالت الموسوعة العلمية الفلسفية التى اسمها مصطفى محمود يتكلم ونحن من حوله تحت سفح الهرم حيث هبطت مركبة الزمان:
وهو «الآخر» بعد أن ينتهى الزمان وينتهى العالم ويعود كل شىء إليه.. فهو «الباقى» بعد أن يفنى الكل.. فلا شيء قبله ولا شىء بعد..
وهو «الظاهر» بأفعاله.
«والباطن» بذاته.
وهو «المنتقم» لنا لا لنفسه.
وهو «الجبار» على الجبارين «المذل» للمذلين «المتكبر» على المتكبرين، ومن كانت هذه صفاته كان حقيقا بالكبرياء والعظمة.
ولا تجوز الكبرياء إلا له، له الكبرياء فى السموات والأرض.
يقول الله فى حديث قدسى:
«الكبرياء ردائى والعظمة إزارى من نازعنى فيهما قصمته».
فهو «العظيم» يحق إذ اكتملت له أسباب العظمة.
ومع ذلك فهو المتحبب دائما إلى أحبابه يغدق عليهم من حبه وكرمه وحنانه فهو هنا بحق »الحنان المنان«
.............
..............
خبيثة الخبثاء التي اسمها تاناكانا تلك الراهبة التي عاشت حياتها داخل دير قابع في حضن جبل يكسوه الثلوج في جبال التبت التي لا يدري عنها العالم شيئا تسأل عمنا قائد المركبة الفضائية والعلمية: ما هو السر في أن الله خلق الإنسان ليموت في النهاية.. ثم يموت ليولد من جديد.. يا سيدي أريد أن أفهم هذه المعادلة الغريبة؟
يقول الموسوعة العلمية الأدبية الفلسفية نحن مازلنا نجلس في ظل أعظم أثر حضاري في الوجود الذي اسمه الهرم الأكبر:
الموت هنا يا عزيزتي ليس إلا انسلاخا عن البدن أشبه بما يشاهد حوله من انسلاخ الأفاعي من اهابها، والحشرات من جلدها في دورات متتالية تتجدد بها مرة بعد مرة.
انها طابع الخليقة.
ونفهم هذه الحقيقة من القرآن انها صفة الخالق أيضا.. ونقرأ أن من أسمائه الحسني أنه «المبديء والمعيد»
قلت في الزحمة اللهم انني لم أفهم بعد كثيرا مما قيل: هذا يعني أن الله سوف يبعثنا بعد الموت وأن لنا عودة!
تقاطعنا الراهبة البوذية الأروبة: كما قال بوذا العظيم نحن راجعون بعد الموت!الموسوعة الشاملة تتكلم: إن لنا لعودة.. بعد الموت قطعا وحتما ويقينا.. وإن لنا لعودة.
وكل معني منهما يؤكد الآخر: فما نراه حولنا من دورات البدء والاعادة يؤكد لنا أن الموت لن يكون خاتمة وإنما نهاية، هو «المبديء والمعيد»
هو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه
«هو المحيي والمميت»
«فالق الحب والنوي»
الحبة تنفلق لتخرج النبتة الجديدة.. والنواة تنفلق لتنبت منها الشجرة..
قلنا للمعلم في صوت واحد: نريد أن نفهم أكثر؟
قال: نواة الخلية تنفلق مع كل دورة من دورات التكاثر لتصبح الخلية الواحدة خليتين.
ونواة الذّرة تنفلق لتولد منها ذرات جديدة وتخرج طاقة هائلة الانفلاق دائما بداية الدورة وبداية الميلاد
الفتق دائما يأتي بعد الرتق
(أو لم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما»
(الأنبياء 30)
أي كانتا نسيجا واحدا (السديم الغازي) ثم تفتق هذا النسيج الواحد إلي أنوية كثيفة نشأت منها الشمس والأرض والكواكب بأجوائها.
هذه هي سنته وناموسه في خلقه. أيها السادة.. كما أنه هو «المبديء والمعيد»
وهو «المقدم والمؤخر»
هو الذي يحسب المواعيد لكل شيء. فاقت قدرته أعتي الكمبيوترات وأكثرها تقدما وتطورا..
...............
...............
تعالوا نقرأ هنا ما قاله لنا الصوفي العارف «ابن عطاء الله السكندري»:
المعرفة رؤية لا علم
وعين لا خبر
ومشاهدة لا وصف
وكشف لا حجاب
واحساس لا مجادلة
ويقصد بذلك هذا النوع من الرؤية، وهو ألا تري فيما تري إلا الله وأفعاله وما يجري به قضاؤه، فإذا شربت فأنت تشرب من يد الله، وليس من الكوب، وإذا احترقت يدك فالله هو الذي أحرقها وليست النار.. فالذي أودع في النار خاصية الاحراق هو الله، والذي أودع في الماء خاصية الإرواء هو الله فهو الذي يسقي وهو الذي يحرق.
«والذي هو يطعمني ويسقين. وإذا مرضت فهو يشفين»..
سألته «الأروبة» ـ وهي كلمة مصرية خالصة لا توجد في أي معجم لغوي عبر مجمع اللغة المصرية التي قبلت وجمعت علي مر الأزمان والحقب من كلمات جرت وقيلت علي ألسنة المصريين عبر تاريخ طويل عمره من عمر الزمن نفسه: هل حقا كما شاهدت أمام أعيننا لم تزالي لا تصدقين أن الله تعالي هو الذي حول النار وبردها لتكون بردا وسلاما علي إبراهيم وهو وسط كومة النيران التي أشعلها قومه انتقاما منه علي تحطيم آلهتهم التي لا تنطق ولا تقول؟
قالت: أنا لم أفهم حتي اللحظة كيف حول الله النار إلي برد وسلام علي الفتي إبراهيم قبل أن يكون نبيا ورسولا!
يرد د. مصطفي محمود علي الفور؟ الله يا عزيزتي هو الذي إذا شاء سلب النار خاصية الاحراق، فتكون بردا وسلاما كما جاء في قصة «إبراهيم»
وهذا هو التوحيد حينما يصبح ناموس حياة
وهذه هي «لا إله إلا الله» حينما تصبح قلب المؤمن وروحه لا مجرد كلمة علي لسانه
وهو لا يري بعينه ولكنه يري بنور الله
ولا يسمع بأذنه ولكنه يسمع بالله ويفهم بالله ويحيا بالله
وإذا أعطي أحدا فليس هو الذي يعطي، وإنما الله هو الذي جعله وسيلة خير، وما هو إلا كالخازن الذي يتصرف فيما لا يملك..
........
..........
قلت: هذا يعني يا سيدي أن هذا الصوفي المتعب لا يري بعينيه ولكنه يري بنور الله؟
قال: لقد أصبت كبد الحقيقة كما يقولون:
تنظر إلي تاناكانا الراهبة البوذية بحسد كما تصورت ساعتها وتقول: من أدراك أنت يا عزيزي الغارق في خير الحضارة وشرورها؟
الرد يجيء علي لسان قائد الركب الحضاري الذي اسمه د. مصطفي محمود وهو يقول:
نحن نركب علي السفينة ونتصور أنها تنقلنا كما نريد ونهوي... وننسي اننا نركب علي قوانين جاهزة يسرها لنا الخالق.. وأن الله هو الذي يحملنا علي قوانينه وأسبابه.. واننا كشفنا هذه القوانين بإلهامه، واخترعنا وسائلنا التي ننتقل بها بوحيه وتعليمه
وهو القائل لنوح:
«واصنع الفلك بأعيننا ووحينا»
وهو الذي «علم الانسان ما لم يعلم»
«لا إله إلا الله»
ولا فاعل بحق ولا موجود ولا دائم إلا هو ولا ضار ولا نافع سواه.. ونحن في تقلبنا في الدنيا تحجبنا الغفلة عن هذه الحقيقة.. فنتصور أن السم هو الذي يقتل، وأن الترياق هو الذي يُحيي.. وننسي اليد الخفية من وراء الأسباب التي قطرت السم في ناب الثعبان وجعلت من الترياق شفاء.
نصفق كلنا للكلم الطيب.
..............
...............
لاننا مازلنا نفترش الأرض تحت سفح الهرم الأكبر.. الشاهد العيان علي حضارة مصرية عمرها من عمر الزمن.. فقد جاءنا عبر اسفار التاريخ البعيد صوت أخناتون العظيم العابد المصري.. وهو يرتل ساجدا عابدا موحدا لله الواحد الأحد قبل الزمان بزمان:
أيها الظاهر الباطن
ـ أيها الواحد الأحد الذي لا إله غيره..
أليس هذا حقا وصدقا كما جاء فى القرآن الكريم الى نزل بعد أخناتون بـ 35 قرنا من الزمان..
كم أنت عظيمة يا مصر!{