الرئيس السيسي يعول دائماً علي الإعلام في توحيد الجبهة الداخلية تماماً كما يعول علي المؤسسة الدينية في تجديد الفكر الديني.. أعلن ذلك قبل الترشح للانتخابات الرئاسية. ثم أعاد التأكيد عليه بعد الفوز بالرئاسة.. يريد أن تعود لمصر ريادتها الإعلامية احترافاً ومهنة وخلقاً وموضوعية ورشداً في التناول ومعالجة السلبيات وحتي ممارسة النقد ولو طال الحكومة وأداءها والفساد وذيوله والمفسدين في الأرض مهما تكن مواقعهم.. لكن دون الإسفاف والتجريح والتشهير والتطاول والسباب وانتهاك الخصوصية وتشويه الأبرياء أو تعريض علاقات الدولة للخطر بالإساءة للآخرين.. لكن هل تحقق شئ مما دعا إليه الرئيس.. سواء علي مستوي الإعلام أو المؤسسة الدينية في حرب الإرهاب ومجابهة رياح الفتنة ومحاولات الاستهداف والاستقطاب.. الإجابة بالنفي طبعاً.. وإلا ما عاد الرئيس للتذكير بدور الإعلام في المعركة. معركة الدولة مع الإرهاب والتآمر ومحاولات النيل من الروح المعنوية للمصريين.
¼ لا خلاف حتي بين المتنافسين علي الرئيس أنه يملك حساً وطنياً صادقاً ورؤية نافذة لمقتضيات الأمن القومي. وهو ما يجد ترجمته في التحركات الدبلوماسية الناجحة علي الأرض. والتي أجبرت دولاً ذات وزن علي الساحة العالمية لتغيير وجهة نظرها فيما حدث بمصر بعد 30 يونيو. وتحولها من الرفض والريبة وتصوير ما جري علي أنه انقلاب إلي التسليم بأنه ثورة شعبية خاضها الشعب وأيدها الجيش وناصرها حفاظاً علي النسيج الوطني ومقومات الدولة وأعمدتها.
¼ ورغم أن ثمة أجواء غير مواتية في الداخل يراها البعض في تراجع البورصة والحالة المعنوية للمصريين التي كانت في أعلي درجاتها بعد انتخاب السيسي رئيساً وغداة المؤتمر الاقتصادي الناجح في شرم الشيخ.. لكنها لم تستمر علي نفس الدرجة لأسباب يطول شرحها قد يكون أهمها غلاء الأسعار وتأخر الإصلاح وتردد الحكومة وسوء أدائها في بعض الملفات خصوصاً التعليم والثقافة والفكر الديني والمياه والصرف الصحي والعلاقة بين المواطن والأجهزة الخدمية وغيرها.. لكن ذلك لا ينفي أن الدولة تعود بقوة وتمسك بزمام المبادرة في دوائرها العربية بالمشاركة في عاصفة الحزم حفاظاً علي أمن الخليج والأمن القومي العربي والملاحة البحرية في باب المندب وردع داعش في ليبيا والحفاظ علي وحدة العراق وسوريا.. ورغم ذلك فثمة ظروف غير مواتية تعيق انطلاق الدولة بنفس القوة في الداخل ربما بفعل الإرهاب الإخواني وحوادث العنف والتفجير وربما بفعل تراكمات السنين الأربعين الماضية وما خلفته من كساد وتجريف للبشر والحجر وهو ما لا يملك الرئيس السيسي ولا أي رئيس أن يصلحه في أشهر معدودات.
ثمة حاجة ماسة لتغيير ثقافة المصريين وإشاعة روح الأمل والتحدي لديهم فلسنا أقل من اليابان التي ضربت بقنبلة نووية لكنها تعافت وانطلقت بعد أقل من 20 عاماً كأفضل القوي الاقتصادية عالمياً ولا أقل من البرازيل أو سنغافورة أو كوريا أو أندونيسيا. ولكل منها تجارب تشبهنا وتتماس مع ظروفنا وإمكانياتنا.
مطلوب إذن إشاعة روح التغيير والأمل ونزع ما قد يطرأ من بواعث الإحباط الذي يتسلل إلي الرأي العام عبر شرذمة قليلين من الإعلاميين الذين يتنافسون في الأساس علي الرئيس وليس علي مصالح مصر العليا.. هؤلاء نفر من الإعلاميين المتحولين الذين أيدوا السيسي ودعموه في البداية ثم انقلبوا عليه ولا ندري فيم كان التأييد.. ولا أسباب التراجع والنقد غير المبرر!!
قد يكون الاختلاف أو حتي الخلاف علي قرار الحكومة أو تصرف لمسئول أو سلوك للحكم أمرًا طبيعياً في مصر الآن لكن أن يصل الأمر لحد الاستهداف المنظم وإهالة التراب علي كل ما يحدث فذلك ليس في مصلحة الدولة ولا المواطن وكنت أرجو أن يسأل الناقدون للرئيس والحكومة أنفسهم ماذا يفعل الرئيس وحكومته لعلاج اختلالات تراكمية في السياسة والاقتصاد والأحوال الاجتماعية لشعب جري استنزافه والاستبداد به علي مدي عقود وعقود.. هل يُسأل الرئيس مثلاً عن ضعف الأحزاب أو شيوع الفساد كثقافة وممارسة يومية تبدأ من صغار المتنفذين وصولا لكبارهم في أجهزة ومواقع مختلفة في ظل غياب الردع وسوء تطبيق القانون وبطء العدالة وعوار التشريعات وتضاربها..هل مطلوب من الرئيس في أشهر معدودات أن يغير ثقافة المصريين.. ألا يكفي أنه حافظ علي أركان الدولة من التحلل والاستقطاب والحرب الأهلية التي جري التخطيط لإغراق البلاد في أتونها.. ألا يكفي الرئيس أنه أطلق مشروعات قومية طموحة مثل قناة السويس واستصلاح المليون فدان وتعبيد آلاف الكيلو مترات من الطرق وغيرها علي الأقل في الأشهر القليلة الماضية.
صحيح أن الحكومة لا تزال تعمل بالأفق القديم. ويمارس بعض مسئوليها طقوساً بيروقراطية والعمل بمنطق ردود أفعال الدولاب القديم دون مراعاة ما تخوضه الدولة ورئيسها من حرب ضروس ضد الإرهاب المتآمر ولا صعوبة الأوضاع الاقتصادية التي خلفتها السنوات الأربع العجاف الماضية بعد ثورة يناير.. لكن التركيز علي نصف الكوب الفارغ والحياد والتخلي عن مؤازرة الدولة حتي يكتمل تعافيها جريمة ترقي إلي درجة الخيانة.
وليس معني مؤازرة الدولة في معركتها أن يصير الكل صوتاً واحداً أو أن ندافع عن الحكومة بالحق والباطل بل أن يمارس كل منا دوره بما يحقق الصالح العام. فعلي الإعلام أن يركز جهوده لتوعية الناس بالأولويات ولا يصرفهم إلي التواكل ونهش الأعراض بل التنبيه إلي القصور والتجاوزات دون توهين عزائم الناس وتيئيسهم من المستقبل.. أن يشخص الإعلام المشكلات ويطرح الحلول ويراقب الحكومة في حلها وليس جلد الذات وتصيد الأخطاء والانقلاب علي الدولة وهي أحوج ما تكون للمساندة والدعم.. أن ينافح عنها ضد ما تشيعه صحافة الخارج ويرد بالحجج والأسانيد علي أباطيل الإعلام الغربي ضد الرئيس والدولة المصرية.
¼ ولقد أدهشني ما كتبه البعض في الفترة الأخيرة ومنه مثلًا ما قاله الزميل مجدي الجلاد في تحليله لحالة الإعلام المتردية حيث يقول: ¢ ثمة أزمة حقيقية بين الرئيس والإعلام..أزمة بدأت تحت الجلد ثم طفحت علي السطح. وفي ذلك خطر داهم علي وطن يحارب علي مائة جبهة وميدان. والأخطر أن كل طرف "الرئاسة والإعلام" يتمسك بوجهة نظره إلي حد التعالي علي الآخر. الرئاسة غاضبة من الإعلام لأنه يبرز مشاكل المواطنين من مياه شرب وبوتاجاز وفساد وتعليم وصحة غير أنها لم تسأل نفسها.. أليست هذه الأزمات موجودة بالفعل ¢ ثم يضيف.. الإعلام أيضاً غاضب لأن الرئاسة تعاملت معه في البداية بمفهوم الشريك ثم سرعان ما ابتعدت عنه وتباعدت إلي حد التعامل معه بنظرية الأوامر والتعليمات ورسائل اللوم ليس من الرئيس وإنما من بعض المحيطين به.. وحين أرادت الرئاسة تنظيم العلاقة استحدثت ما يسمي ب ¢مكتب الإعلام ¢.. وتلك قصة أخري. شبان وشابات حديثو التخرج والتجربة غير أنهم لم يمارسوا المهنة ولا يجيدون تحليل المضمون والأخطر أن نشوة ¢ قصر الاتحادية ¢ جرفتهم للتعامل بغطرسة مع إعلاميين وكتاب رأي. وباتت عبارة ¢إحنا الرئاسة¢ تشعل غضب كبار الصحفيين والإعلاميين خصوصاً حين تصدر من ¢بنوتة¢ صغيرة تخرجت في الجامعة منذ عدة أشهر.. انتهي كلام الجلاد الذي ترك انفلات الإعلام وسطحيته وسفاهته وافتعاله معارك كلامية تثير الفتن وتلهي الناس وتطعن في الثوابت وتشعل الصراعات.. ترك كل ذلك وغيره وأمسك بما سمّاه ¢ أزمة الرئاسة والإعلام ¢ وهي أزمة مختلقة فليس مطلوباً أن يتصل الرئيس أو يرد علي كل ما يكتبه أو يتناوله إعلامي هنا أو هناك. فتلك مهمة مكتب الإعلام.. نسي زميلنا الجلاد ما يعانيه الإعلام من انفصال عن الواقع. وإغراق في سفاسف القضايا فلم يتبن برنامج توك شو مثلاً مبادرة لتطوير العشوائيات أو تشغيل المصانع المتوقفة أو محو الأمية أو مقاومة الإرهاب والفساد بل أغرق بعضه في مسائل خرافية كالدجل والشعوذة أو الخوض بغير علم في قضايا دينية.. فماذا يفعل الرئيس في صخب إعلامي يثير الضجيج والجدل بأكثر مما يقدم التنوير والتوعية.. ماذا يفعل الرئيس في ضعف الأحزاب وعزلتها عن الشوارع؟!
الإعلام يبالغ أحياناً في الحديث عن حق التظاهر والإضرابات والحقوق السياسية وذلك أمر جيد لكنه يغفل في المقابل دور المواطن ومن ثم بات التصدي لشرذمة المنقلبين إعلامياً وصحفياً أمَراً تفرضه المصلحة العامة علي الجماعة الصحفية والإعلامية.. وفي هذا السياق كتب الأستاذ مكرم محمد أحمد يقول: لم يفعل الرئيس السيسي ما يستحق حملة الانتقاد المتصاعدة التي ينهض بها عدد محدود من أصحاب الأقلام خرجوا علينا فجأة بمقالات نارية لا يسوّغها تاريخ سابق لهم أو مواقف معروفة ولا نجد تبريراً واضحاً في أفعال محددة. وما يزيد من غرابة هذه الحملة أنها تناقض شهادة منشورة تقول عكس ما تقوله هذه المقالات أو تبثه الفضائيات وكأن الناس جميعاً قد فقدوا الذاكرة ونسوا ما صدر بالأمس القريب. وربما لا يكون السيسي قد أنجز كل المراد. وربما يكون قد أصبح جزءاً من روتين وتقاليد العمل الرئاسي. وربما تستحق حكومته بعض النقد بسبب تباطؤ الأداء لكن السيسي لا يزال صامداً في المعركة ضد الإرهاب يصر علي هزيمته ويحاربه بجد وإصرار ولا يزال يشغل نفسه بقضية التنمية المستدامة التي تصل ثمارها لكل فئات المجتمع.. يصحو وينام علي مشاكل وآلام المصريين الذين يتعجلون النتائج لكثرة ما طال بهم الانتظار فلماذا هذه الحملة التي تهدف في جوهرها لتكريس فتور المصريين وإحباطهم بأكثر من قدرتها علي إيذاء شعبية السيسي.. وما ينبغي أن يكون واضحاً للجميع أنني لا أطالب بتحصين قرارات الرئيس السيسي وآرائه من حق النقد ولا أريد أن أسبغ عليه قداسة خاصة.. هذا زمن راح ولن يعود ولكني فقط أتساءل عن مبررات هذه المعزوفة الجديدة خاصة أن أصحابها لا يقولون لنا أسباباً واضحة أو محددة يمكن أن نرفضها أو نقبلها فقط يعزفون لحنهم النشاز.. وإذا كان صحيحاً ما يقال إن بعضاً من رجال الأعمال في الإعلام يريدون أن يذبحوا ¢ القطة ¢ للسيسي كي يرسخوا مصالحهم فهذه في الحقيقة لعبة قديمة فات أوانها. ويمكن أن تأتي بعكس نتائجها.. كما قال كاتبنا الكبير فاروق جويدة ¢ لقد فشل الإخوان في تفكيك الدولة المصرية ولكن الإعلام المصري يقوم بهذه المهمة بنجاح..¢ ونقول علينا أن نصوب وجهة الإعلام وأن نمارس مهمتنا بنزاهة سواء في النقد أو المدح. تحكمنا المصلحة الوطنية فهي الضمانة الحقيقية للنزاهة والشفافية وسلامة القصد.. دون أن يعني ذلك أننا نبرئ الحكومة.. فالمشوار طويل يحتاج إلي الصبر.. فما أفسدته سنوات طويلة لا يمكن أن يصلح بين عشية وضحاها.