فى عام 1979 أو 1980، أى قبل 38 سنة، تعرفت لأول مرة على ابن تيمية (661 ـــ 728هـ) خلال دراستى بقسم الفلسفة بكلية الآداب جامعة طنطا، ومعرفتى به جاءت على يد استاذى الفاضل د. عبدالفتاح أحمد فؤاد أستاذ الفلسفة الإسلامية أدام الله عليه الصحة والعافية، حيث قرر علينا كتابه « ابن تيمية وموقفه من الفكر الفلسفي»، وكانت محاضرته فى قاعة بالدور الأرضى تسع لحوالى مائة طالب، وأذكر أن غلاف الكتاب كان لبنى اللون، وقد كان
د. عبدالفتاح فى الأربعينات من عمره، وكان يمتاز بطيبة القلب ودماثة الخلق لدرجة أنك تخجل من أن ترفع صوتك فى حضوره، وما أذكره جيدا أنه كان يعشق ابن تيمية كمفكر، وقد حاول أن ينقل لنا حبه هذا خلال المحاضرة، وذلك بتوضيح مواقفه فى مسائل عدة سبق وطرحها المعتزلة والشيعة والمتكلمون، وباختصار غير مخل يعرض مسألة كلام الله، أو رؤيته أو أسماؤه وصفاته، أو مسألة الاستواء على العرش، ويشرح رأى كل فرقة من الفرق، ثم يوضح موقف ابن تيمية فى المسألة ونقده لأراء مخالفيه.
وكتاب د.عبدالفتاح فؤاد فى أسلوبه ومنهجه لا يختلف كثيرا عن شرحه فى المحاضرات، اللهم سوى المصادر والمراجع التى يذيل بها هوامش الصفحات، حيث تخرج بعد قراءة الكتاب بنفس الانطباع الذى يصلك من شرح د.عبدالفتاح خلال المحاضرة، وهو أن هذا الرجل يحب ابن تيمية وينحاز إلى أرائه الفلسفية، وأظن أننى بسبب هذا الشعور احتفظت بكتاب د.عبدالفتاح منذ عام 1980 حتى اليوم، لكننى منذ أيام شعرت بآسى شديد لأننى اكتشفت أن الكتاب لم أنقله معى من شقة إلى أخرى، وأنه مازال مع العشرات من الكتب فى مكتبتى بالشقة القديمة، وبسبب ارتفاع السلم لن استطيع استعادته، اتصلت بصديقى وأستاذى العزيز محمد فتحى أستاذ المنطق والفلسفة اليونانية، وطلبت منه أن يتواصل مع أستاذنا د.عبدالفتاح ويوفر لى نسخة من الكتاب، وبالفعل تشرفت بنسخة وإهداء من أستاذنا أدام الله عليه الصحة والعافية، ولا أخفى عليكم مدى سعادتى بهذه النسخة، فقد عاد إلى «ابن تيمية وموقفه من الفكر الفلسفي» مرة أخرى.
لهذا الكتاب فضل كبير فى تشكيل أو ترتيب ذهني، فقد تعلمت منه الكثير، قبل أن تجلس للكتابة عليك أولا أن تلم بكل جوانب الموضوع الذى تتناوله، وبعد أن تفهم جيدا يمكنك أن تعبر عن الموضوع بأسلوبك وقاموسك أنت وليس بأسلوب وقاموس من قرأت لهم، وهذه النقطة كانت مشكلة المشاكل التى واجهت زملاءنا فى قسم الفلسفة مع كتاب ابن تيمية، حيث ان د.عبدالفتاح كتب بعد أن بحث واستوعب، وقد جاء كتابه فى جمل خبرية بسيطة، وهو ما يعنى اننا مطالبون إما بالفهم أو بالحفظ، وقد كان أغلبنا يلجأ للحل الأسهل وهو الحفظ.
السؤال الذى شغلنى لفترة كلما عدت لكتاب أستاذنا هو: هل كان ابن تيمية فيلسوفا؟، هل يمكن أن نضعه فى مصاف الغزالى وابن رشد وابن سينا وابن طفيل..؟، حاولت أن أفتش عن إجابة من خلال كتاب أستاذنا وبعيدا عن حبه له، فكنت أعود إلى الهوامش التى ذكرها وأبحث عنها فى المكتبات، وهذه الخطوة عادت على بفائدة عظيمة، فقد علمتنى كيف أبحث، وكيف أميز بين المصادر والمراجع، وأيامها لم تكن كتب ابن تيمية قد انتشرت بهذا الشكل، فتعقدت المحاولة وأرجئت الإجابة، مع هذا لم استسلم وحاولت بقدر المتاح أن أجمع بعض المراجع والمصادر عن ولابن تيمية، وللأسف لم تسعفن أيامها لرأى يطمئن إليه عقلى وقلبى، ولأهمية هذا السؤال أؤجل الإجابة عنه إلى مقال آخر.