المساء
حنان عبد القادر
الشيشة في يد الجميع
من منا ينكر أن المقهي الشعبي كان مكاناً لكبار أدبائنا نجيب محفوظ ويوسف إدريس انطلقت فيه إبداعاتهم التي نستمتع بقراءتها حتي الآن لا أحد ينكر دوره وأهميته في الثقافة الشعبية والتراث الشعبي المصري كان بحق مدرسة وجامعة يرتاده المثقفون والأدباء في مرحلة مهمة في تاريخ مصر.. وحتي وقت قريب كان المقهي فرصة للقاءات الأصدقاء والمعارف بعيداً عن جرح خصوصية البيوت.. والسؤال الذي يفرض نفسه هل المقاهي التي انتشرت كالورم السرطاني في شوارع وأحياء مصر.. لاتزال مصدرا لإلهام وإبداع المفكرين؟ أم انحرفت بهدفها سواء الترفيهي أو لقاء الأصدقاء لتدخل منعطفات أخري؟ الإجابة جاهزة وواضحة ويعيشها المجتمع لأنها أصبحت بمثابة صداع في رأسه.
فالواقع يقول إنها سببت أوجاعاً اجتماعية عديدة ومتشابكة كنا في غني عنها وبملاحظة بسيطة لا تحتاج للتأمل نجدها أنها اختطفت كثيراً من الأزواج بعيداً عن أسرهم وأصبح البيت بمثابة ترانزيت لتناول الطعام وتغيير الملابس لتكون المقاهي مأوي لكثير من الرجال الذين تركوا مسئولياتهم الأصيلة من متابعة الأبناء وتوجيه سلوكياتهم ومتابعة مذاكرتهم إلي زوجاتهم في وقت فشلت فيه كثيراً من الزوجات علي القيام بالمهمة والنتيجة انحراف بعض الأبناء وإدمانهم والنماذج يعشها ونعايشها في المجتمع حولنا.. وما يترتب علي ذلك من تفسخ العلاقات الاجتماعية بين الأزواج وحالة الفجوة التي قد تصل بالبعض إلي الخلع والطلاق.. الأمر الثاني الذي لا يقل خطورة هو انتشار ثقافة الشيشة ـ التي أصبحت في يد الجميع ـ رغم تهديداتها لصحة المواطنين وانتقال الأمراض الصدرية خاصة في المناطق الشعبية التي يتناولونها فيما بينهم.. فأصبح مألوفاً ان تجد بائع فاكهة يجلس في الشارع وبصحبته شيشة لا تفارقه حتي عامل الأحذية مشاهد نراها متكررة في شوارعنا وأحيائنا.
ولأن المقاهي أصبحت كالوباء والمستفيد الوحيد منها هم أصحابها الذين يتربحون آلاف الجنيهات بإمكانيات متواضعة هي الماء والشاي والسكر.. وجدنا ابتكارات وتقاليع فيها فوجدنا الكافيهات والكوفي شوب.. مسميات مغرية وأهداف متنوعة فوجدنا كافيهات للمذاكرة وأخري تتيح لروادها ألعاب الفيديو جيم والأفلام الدموية التي لعبت دوراً في انتشار العنف والمشاجرات ولعل حادث مقتل الشاب "محمود بيومي" ضحية أحد مقاهي مصر الجديدة نموذج صارخ للعنف الذي أصابنا جميعاً بالفزع في وقت كنا نتابع فيه مباراة مصر والكاميرون في نهائي كأس الأمم الأفريقية وفي نفس التوقيت إصابة شاب علي مقهي بطوخ لخلاف علي الحساب مع صاحب المقهي والنماذج متكررة لذا كان لابد من وقفة مع هذه المقاهي فكانت الحملات الأمنية والتي كشفت مخالفة الكثير منها وما تسببه من اشغالات علي الأرصفة واحتكارها واضطرار المارة للعبور في نهر الشارع مما يعرضهم لحوادث الطرق.. بصراحة تلك الحملات تأخرت كثيرا لكن الأمل معقود في استمرارها حتي نتخلص من صداع أصاب المجتمع وهدد استقراره!!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف