الأهرام
طه عبد العليم
صورة مصر فى العالم
عقب ثورة 25 يناير وعزل مبارك أعلن باراك أوباما إن هناك لحظات نادرة فى حياتنا, نتمكن فيها من مشاهدة التاريخ أثناء صياغته, وثورة مصر إحدى هذه اللحظات. وكتبت صحيفة الجارديان البريطانية أن ثورة 25 يناير أعظم ثورة فى التاريخ البشرى بأكمله.. أعظم من الثورة الفرنسية والثورة الأمريكية!! لكن الحق الذى نطق به أوباما والجارديان تحول الى باطل عقب ثورة 30 يونيو، حيث عبّر باراك أوباما عن قلقه العميق من عزل القوات المسلحة لمرسى وأوقف امدادات السلاح اللازم لمحاربة مصر الإرهاب، وزعمت نيويورك تايمز أن الجيش هو الذى أطاح بالرئيس مرسي بانقلاب عسكرى مكتمل الأركان!!

ورغم أن الشعب كان صانع الثورتين، وانتصر الجيش لإرادته بعزل الرئيسين قاطعا الطريق على حرب أهلية، فان صناع صورة مصر فى أمريكا وغيرها وغيرها من البلدان المتحالفة معها كانت لهم قراءة منافقة ومتناقضة للثورتين. وليس فى هذا جديد. فكثيرا ما تسعى الدوائر الرسمية ووسائل الإعلام إلى حجب معلومة أو احتكارها أو تشويهها لتوجيه الرأي العام الوجهة المواتية لما تعبر عنه من غايات وما تخدمه من سياسات. وبينما كان الهدف من التغنى بثورة 25 يناير فتح الطريق لمخطط تمكين الإخوان مقابل تفكيك وتركيع مصر، كان العداء لثورة 30 يونيو رهانا خاسرا على إعادة تنفيذ ذات المخطط.

وقد مثلت المناهج الدراسية فى أمريكا مصدرا أساسيا لادراكات الأمريكى السلبية عن العرب، وهي ادراكات تلازمه طوال حياته ويصعب تغييرها، وقامت صناعة السينما الأمريكية بتقديم صورة مشوهة عن العرب وقضاياهم العادلة. وكانت أحداث 11 سبتمبر 2001 فرصة للإعلام الأمريكى لاستخدام الصورة النمطية السلبية الجاهزة لعلاقة الإسلام بالإرهاب. ولكن يبقى لوسائل الإعلام الدور الأشد خطورة في تشكيل الصور الذهنية للشعوب والنظم باعتبارها من أهم مصادر المعلومات عن الدول الأجنبية، وهو ما تضاعف في ظل ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.

والأمر أن وسائل الإعلام تمثل نافذة المعرفة والمعلومات عن أوضاع معينة، وخاصة حين لا يكون للأفراد خبرة مباشرة عنها، وتنشر الصور الذهنية والقوالب النمطية وتروج لها. ويمثل توجيه وسائل الإعلام للمعلومات إحدى الطرق المؤثرة على تكوين الصور لدى أمة عن أمة أخرى حيث تتعرض الصورة لتغيير ضخم من قبل النخب المسيطرة على وسائل الإعلام، التى تختار المـعلومات المتناثرة حسب أهوائها السياسية. وتخلق وسائل الإعلام الصور الذهنية عن نظم أو بلدان بعينها من خلال إبراز وجهات نظر متحيزة، ترويجا لصور ذهنية مستهدفة لبلد أو ثقافة أو شعوب بأسرها من خلال ما يكتب وفق أهواء ومصالح معينة وحسب تعميمات وأفكار مسبقة لا تعكس حقيقة الصورة بكل أبعادها.

والصورة الذهنية هى النتاج النهائى للانطباعات الذاتية التي تتكون عند الأفراد أو الجماعات إزاء شخص معين أو نظام ما أو شعب معين. وقد تشوه وسائل الإعلام الصورة الذهنية وتؤثر في السلوك السياسي النهائي. والصورة النمطية أو الصورة المقولبة هى صورة ذهنية تتـخذ طـابع الثبـات، وهى مجموعة من العقائد الراسخة في أذهان الناس. وتشير الصورة القومية الى الصورة الذهنية لشعب عن شعب آخر. وقد تكون الصور الذهنية سلبية أو إيجابية، وهو ما يتوقف على عوامل سياسية، فالأقطار المنافسة سياسيا واقتصاديا يجري وصفها بأوصاف سلبية، والدول الحليفة أو التي لا تشكل تهديدا يتم وصفها باوصاف إيجابية. فوسائل الإعلام تلعب دورا في توجيه الرأى العام وتشكيل السياسة الخارجية وصنع قراراتها وتحدد أجندة الموضوعات الهامة للنخبة والعامة والموقف منها.

ومن المهم أن تتم دراسة الصورة الذهنية للدول فى الخارج لارتباط ذلك بمصالحها الوطنية. فالصورة الذهنية السلبية تؤثر سلبا على العلاقات المتبادلة، وكلما كانت الصور الذهنية سلبية مالت العلاقات نحو الصراع. وتعد عملية خلق صورة قومية إيجابية لدى الغير مهمة للغاية لأنها تخدم العلاقات المتبادلة. وانطلاقا من إدراك أهمية الصورة، تسعى كل الدول لتحسين صورتها في الخارج لتحقيق منافعها من علاقاتها الدولية وتعزيز أمنها. وتسعى كل الدول الى تحسين صورتها لدى الرأي العام العالمى تعزيزا للنفوذ بالسمعة الطيبة، وزرعا للثقة لدى الآخر. وفي هذا السياق، أنشأت تايوان قناة خاصة تجارية لتحسين صورتها كان شعارها: تايوان شعب عظيم في جزيرة صغيرة. وعملت الصين على رسم صورة ذهنية محببة لها في الخارج, ومع العداء الشعبي والإسلامي لسياسة الولايات المتحدة شكلت الأخيرة لجنة لدراسة وتحسين صورتها في العالم الإسلامى.

والتقرير الاعلامى المصرى، الذى أعتز بدورى فى إعداده خلال عام رئاستى للهيئة العامة للاستعلامات وأنجزه فريق متميز ومتفان من العاملين بالهيئة، استهدف أن يكون مدخلا علميا لصنع الرسالة الإعلامية الهادفة الى تصحيح صورة مصر فى العالم وتصحيح صورة العالم فى مصر وتصحيح صورة مصر فى الداخل بما يخدم المصلحة الوطنية المصرية. وقد تتبع التقرير صورة مصر في العالم من خلال ما نشر عنها في صحافة الدول الكبرى في قارات العالم المختلفة، وعلى مدى عام كامل، ليؤسس لجهد علمي كان مستهدفا أن يستمر سنويا. وقد تم اختيار الدول التي تؤثر مواقفها الرسمية ومواقف إعلامها على مصر، وتمثل دوائر مهمة لسياسة مصر الخارجية.

وشمل التقرير الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، ومجموعة الدول الثماني الصناعية، والدول الرئيسية في حوض النيل، ودول الجوار الجغرافي المهمة، فضلا عن الدول العربية والإسلامية الرئيسية. وفي داخل كل دولة تم اختيار الصحف الأكثر توزيعا في كل دولة، وصحف الرأي الأكثر تأثيرا في النخبة داخل كل دولة والتي تصنع الرأي العام فى دولها. وفى تحليل صورة مصر في صحف الدول المذكورة تم التركيز على العلاقات الثنائية والسياسة الخارجية والنظام السياسي والاقتصاد والثقافة والحضارة والمجتمع والمرأة. وللأسف فان هذا التقرير الاعلامى المصرى تم وأده مع غيره من مشروعات تفعيل وتطوير دور الهيئة العامة للاستعلامات.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف