محمد صابرين
«أيام صعبة» تنتظر الشرق الأوسط
ثمة شيء مؤكد وهو أن «قدرا من التغيير» سوف يطال الشرق الأوسط، وهنا فإن الخلاف الدائر الآن يتعلق بحجم التغيير الذى سوف يحدث فعلاعلى الأرض.. وأبرز الأسباب والشواهد تتعلق بعدة قضايا وأطراف: النقطة الأبرز خاصة بالرئيس الأمريكى دونالد ترامب، وتتعلق بالمدى الذى سوف يصل إليه أو سوف يتم ردعه بل وتصيده, والنقطة الثانية تتعلق بايران وسلوكها وهل سيتم اتباع سياسة الاحتواء أم المواجهة المفتوحة مع طهران دون استبعاد أى خيار من الطاولة، والنقطة الثالثة تتعلق بروسيا «والصفقة الكبري» مع بوتين فى إطار الحرب على الارهاب، وهذه العوامل مجتمعة تتداخل وتتفاعل مع بعضها البعض لتؤذن بأيام صعبة تنتظر الشرق الأوسط،... والبداية أن ترامب رغم كل ماتعهد به أو تمنى القيام به يجد نفسه فى مواجهة مع الدولة العميقة، والمصالح المتشابكة والمعقدة التى تحاربه فى كل خطوة، وعند كل مفترق.
ولأول مرة يخرج مسئول أمريكى سابق ليقول «ثمة احتمال بنشوب انقلاب عسكرى ضد ترامب»، وأكدت روزا بروكس استاذة القانون بجامعة جورج تاون والمستشارة السابقة فى وزارة الدفاع الأمريكية أن التمرد العسكرى ضد إدارة ترامب قد يكون الخيار الوحيد للإطاحة بواحد من أكثر الرؤساء إثارة للخلاف والانقسام فى التاريخ الأمريكى مثلما قالت لصحيفة واشنطن تايمز، وفى التوقيت نفسه فإن ايشان تارور يقول فى تقرير بصحيفة «واشنطن بوست» إن قائمة التهديدات فى أوروبا تشمل الجهاديين وسوريا وترامب، وتنسب الجريدة لدونالد تاسك رئيس المجلس الأوروبى قوله فى رسالة إلى القادة الأوروبيين إن إدارة ترامب تمثل تهديدا لأوروبا، ويقول السياسى البولندى «إن الاعلانات المثيرة للقلق من الإدارة الأمريكية الجديدة تجعل مستقبلنا لا يمكن التكهن به إلى حد بعيد». بالطبع هناك مخاوف من «التحركات العدوانية لروسيا» مثلما يرى تاسك، وفى المقابل فإن هناك البعض الذى يرفض جملة وتفصيلا التعاون الامريكى الروسي. كما أن البعض الآخر مثلما يقول هال براندز استاذ الشئون الدولية فى كلية الدراسات المتقدمة بجامعة جون هوبكنز، وكولين كال أستاذ مساعد فى برنامج الدراسات الأمنية فى كلية «ادموند والشس» للخدمة الخارجية بجامعة جورج تاون أن «التحالف مع روسيا فى سوريا سوف يمثل انتحارا سياسيا، ويرى الباحثان الامريكيان أن دعوة ترامب لإقامة شراكة مع بوتين فى مجال مكافحة الإرهاب ترتبط بالمحاور الرئيسية فى استراتيجيته الكبري. وهى فكرة أن الصراع مع «الإرهاب المتطرف» هو صراع طويل ووجودي، والاستعداد لعقد أى صفقات مع أى طرف تتقاسم معه الولايات المتحدة أى مصالح، حتى وإن كانت عابرة، والتطلع لاقناع البلدان الأخرى بممارسة دور اكبر فى العالم حتى تتمكن الولايات المتحدة من تحمل بعض اعبائها كقوة عظمي». ـ.ـ وأحسب أن الخلاصة هنا هى أن الإمبراطورية الأمريكية باتت تئن من تكاليف وأعباء الحفاظ على مهام وواجبات «القوة العظمى الوحيدة»، وأنها ترغب فى أن يتولى الحلفاء والاصدقاء والشركاء القيام بجزء من هذه الاعباء، ولكن فى إطار «التنسيق والتفويض» من واشنطن.
وهذا فى حد ذاته سوف يفتح الباب أمام «صراع على الأدوار»، والأهم «صراع لملء الفراغ الاستراتيجى الأمريكي»، ويمكن أن نربط ذلك بالاحاديث والسيناريوهات الخاصة «بنظام اقليمى جديد فى الشرق الأوسط»، وأيضا يمكن للمرء أن يضع كل ماجرى من أهوال سنوات الفوضى الخلاقة والشرق الأوسط الكبير وإعادة رسم خرائط الشرق الأوسط، والسيناريوهات الخاصة بالدولة الكردية، وسيناريوهات الدول الكونفدرالية والفيدرالية.. وأحسب أن «الصراع» سوف يصل إلى مداه خلال الأيام المقبلة، نظرا لأن البعض مثل د. هال ود. كولين يعتقدان أن ذلك «انتحار سياسي»، وأن واشنطن ليست مضطرة لدفع أى أثمان لموسكو، بل أن روسيا ستقوم بالعمل من تلقاء ذاتها، بل يذهب هؤلاء إلى أن رفع العقوبات عن موسكو سوف يضر بمصداقية الولايات المتحدة فى أوروبا، وسوف يغضب دول المواجهة الأخرى الواقعة على الحدود الروسية. لكن ما يهمنا هنا فى الشرق الأوسط هو الانتباه إلى أمرين: الحوار حول الصفقة بدأ، وأن مايتردد هو الجزء الظاهر والغاطس أعمق، كما أن المساومة حول «الترتيبات الجديدة» فى المنطقة دخلت مرحلة مهمة، وأن علينا «التماسك» كمجموعة عربية حتى يمكن «التفاوض بقوة»، وحتى لا تكون النتائج على حساب المصالح العربية.
ويقودنا هذا إلى الموقف الامريكى من إيران وكيف ستتعامل معها، وأحسب أن واشنطن وطهران قد مارستا لعبة مخادعة فى السنوات الماضية، إلا وهى «العداء العلني» و «التعاون السري» مثلما تابعنا جميعا من لحظة التأمر على الشاه والصفقات السرية مع الخوميني، وغزو العراق، والتعاون فى أفغانستان، وأخيرا دعوة أوباما الصريحة للتعايش مع طهران وتقاسم النفوذ معها فى المنطقة. ـ.ـ وأغلب الظن أن طهران تهددت بفعل التوطؤ السرى مع واشنطن ، أو لنقل إن ماحدث كان نتيجة ماذ هب إليه الصحفى الأمريكى باتريك كوكيبرن على موقع «ألترنت الإلكتروتي» أنه على الرغم من أن إدارة ترامب لم تفعل أى أخطاء كارثية فى الشرق الأوسط، فإنها من المحتمل أن تفعل ذلك فى وقت قريب بالنظر إلى سلوكها خلال الاسبوع الماضي، إذ تشهد واشنطن الخليط نفسه من التفكير بالتمنى والتضليل والغطرسة الذى قاد إى الكارثة الامريكية فى لبنان عام 1982 ـ 1983، وفى العراق 2003».
ويبقى أن الاحتمالات كلها مطروحة، والاسئلة جميعها مشروعة. فالأرجح أن ما يشهده الشرق الأوسط حاليا هو إما من جراء «حسابات خاطئة» أو «تفاهمات سرية ولعبة معقدة»، أو كليهما معا، وأيا كانت الأمور فإن النتيجة واحدة وهى الفوضى والخراب وانهيار الدولة الوطنية، وصعوبات اقتصادية، وتفجر فى موجات الإرهاب وطوفان الهجرة. وإذا كان ذلك صحيحا، وهو أن القوة العظمى الوحيدة تشعر بضرورة إصلاح أحوال الداخل، وباتت تئن من تكلفة التوسع الهائل للإمبراطورية، كما أن نصف الشعب الأمريكى الذى أوصل ترامب إلى الحكم يصرخ بإصلاح أوضاعه.. فإن شعوب الشرق الأوسط تصرخ بقوة من كل ما جري، ومن العواقب التى شهدتها المنطقة خلال السنوات الماضية، ومن تبدد «أحلام الإصلاح والتغيير» التى جرى التبشير بها خلال مرحلة الربيع العربي، لكن المصارحة هنا تقتضى التأكيد بأن «النار تحت الرماد»، وأن واشنطن والغرب ـ وأوروبا تحديدا ـ عليهما أن يدركا أن الوقت قد حان للمساعدة والتجاوب مع الرؤية المصرية التى تدعو للبناء واعادة الاعمار والحفاظ على الدولة الوطنية، واعطاء أمل لشعوب المنطقة وإلا فإن أيام الشرق الأوسط الصعبة سوف تتحول إلى «طوفان من الدمار» يهدد الغرب وأوروبا من داخله ومن خارجه.