اللواء د. محسن الفحام
ما بين إنكار الذات.. ورحلات العطاء
كم كانت سعادتي وأنا أتابع ردود الأفعال والتعليقات الإيجابية حول أول مقال اجتماعي أتناوله والذي كان عن ظاهرة الطلاق بين الشباب سواء كانت شفهية أم أمام مأذون.
واليوم أتناول موضوعا اجتماعيا جديدا أتمني أن يجد نفس الصدي من حضراتكم ويكون له انعكاس إيجابي لديكم ألا وهو العطاء الخالص لوجه الله مع إنكار الذات لمن قام به ليكون ثوابه أو نتائجه تصب في النهاية لمصلحة وطنهم.
بطبيعة الحال فإنني لن أذكر أسماء بعينها تحسبا من سوء الفهم أو التقدير.. ومن الطبيعي أيضا أن نبدأ أول رحلات العطاء مع أبطالنا من رجال الجيش والشرطة الذين يضحون بأرواحهم وأجزاء من أجسادهم وهم يدافعون عن وطنهم ويعملون علي حمايتنا من أخطار الإرهاب وتوابعه.. حتي أمهات وآباء الشهداء وهم في ذروة أحزانهم يترفعون عن أي شيء سوي أن يجمعهم الله مع أبنائهم في جنة الخلد.
ورحلة أخري مع أحد لاعبي كرة القدم الذي تبرع بمبلغ 60 ألف يورو للمشاركة في بناء مسجد بمدينة فلورنسا بإيطاليا وإنشاء وحدة غسيل كلوي بمحافظة كفر الشيخ علما بأنه من أبناء محافظة الغربية وكذلك إنشاء معهد أزهري في محافظته.. ووحدة حضانات بمستشفي بسيون المركزي وبعد كل هذا تبرع بمبلغ خمسة ملايين جنيه لصندوق تحيا مصر.
فماذا نقول لهذا الشاب العاشق لوطنه دون أن ينتظر أي كلمة شكر من أحد.
وكانت الرحلة الثالثة مع أحد الشرفاء الذي أبلغ عن تشككه في مجموعة من الأجانب والغرباء يترددون علي إحدي الشقق السكنية المجاورة له وأنه يشتبه في احتمالية قيامهم بأعمال تضر بأمن البلاد وفي الحال تم التعامل مع المعلومة بمنتهي الجدية والسرعة وتتعامل حاليا الأجهزة المعنية مع تلك المعلومات التي قد تسفر عن الكشف علي إحدي محاولات التخريب أو الترويع.
أما الرحلة الرابعة فكانت لمجموعة من الشرفاء إلي إحدي قري الصعيد لشراء أسقف من الصفيح لعدد 300 منزل وبالرغم من أن ثمن هذا السقف العام الماضي لم يتجاوز 600 جنيه فقد بلغ هذا العام 1100 جنيه أي الضعف تقريبا ومع ذلك تم شراء الكمية كلها وتغطية تلك المنازل التي كانت الأمطار تتساقط علي ساكنيها بلا رحمة ولا هوادة.
ونكتفي بالرحلة الأخيرة مع العالم الكبير في مجال السمعيات والذي يعمل بمستشفي كليفلاند بالولايات المتحدة الأمريكية والذي يدرس حاليا إمكانية إنشاء مصنع لصناعة سماعات للأذن للأطفال الذين لم تتجاوز أعمارهم خمس سنوات بدون أي مقابل.. بل أيضا سيقوم بعمليات زرع قواقع للأذن تتكلف الواحدة فيها علي الأقل 120 ألف جنيه.
هذا بالطبع فيض من غيض.. فأنا أعلم أن هناك الآلاف من الشرفاء يعملون أكثر من ذلك بمراحل ولا يعلنون عن أنفسهم.. فالكبار فقط هم الذين يعملون في صمت دون رعاية أو صخب ودون أن يتاجروا بعطائهم.. إذن فلماذا أكتب اليوم عن ذلك؟؟
إننا أيها السادة نمر بظروف اقتصادية استثنائية وغير مسبوقة وأنا علي يقين أنها سوف تنتهي علي خير بإذن الله.. ولكن دعونا نتوسع في هذا العطاء مهما كانت أشكاله وأساليبه.. دعونا نواجه الدعوة لمطربينا الذين بلغت دخولهم من حفلات رأس السنة ملايين الجنيهات وكانت التذاكر كلها محجوزة قبلها بأسبوعين علي الأقل.. ونطلب منهم حفلات أسبوعية أو شهرية يوجه دخلها لصندوق تحيا مصر.
"رحمة الله عليك" يا سيدة الغناء العربي أم كلثوم والتي كانت السباقة الأولي في المجهود الحربي بعد هزيمة 1967 إلي أن تحقق النصر في ..1973 وسافرت إلي عدة دول وهي في سن وحالة صحية لم تكن تسمح لها بذلك أكاد أجزم أننا جميعا علي استعداد لتقديم كل ما نستطيع تقديمه في حدود إمكانياتنا المادية والعلمية والطبية والفنية والرياضية بل والأمنية أيضا.
بلادنا هي شراكة تجمع بيننا ويجب أن نديرها بكل الحب والإخلاص.. إنها دعوة للعمل والعطاء ليس مهما من الذي فعل هذا أو ذاك.. المهم أن كل ذلك يتم لصالح الوطن الذي نعيش فيه ويعيش فينا.. أتمني أن تتبني مؤسسة الرئاسة أو أي كيان يتم إنشاؤه تحت رعايتها مباشرة لتنظيم هذا العطاء.. وأنا هنا لا أقصد مؤسسة للزكاة أو الصدقات فما أقصده أشمل من ذلك بكثير وذلك بدلا من تلك المبادرات الفردية التي يقوم بها مشكورون أعداد صغيرة من الشرفاء ليس لهم خبرة في مجال التنظيم أو التسويق أو دراسات الجدوي فتذهب جهودهم هباء منثورا أو تأثيرا ضعيفا.
هذه دعوتي لحضراتكم اليوم أتمني من الله ومنكم أن تجد قلوبا صافية وعقولا واعية واستعدادا مخلصا لكي نعبر بوطننا إلي بر الأمان والسلام.
وتحيا مصر