محمد جبريل
الاستيطان .. والاعتذار عن وعد بلفور
عدا واشنطن التي أعلنت أنها تؤجل اتخاذ قرار حتي تدرس قانون الاستيطان الإسرائيلي الجديد. فإن الإجماع الدولي بدا واضحاً في رفض قانون إضفاء الصبغة الشرعية علي المستوطنات الإسرائيلية في الأرض الفلسطينية المحتلة.
القانون حصل علي موافقة الكنيست بأغلبية كبيرة. ويسمح بضم الأراضي ذات الملكية الخاصة. ومصادرة مساحات هائلة من الأراضي التي يمتلكها الفلسطينيون. فضلاً عن منع إخلاء المستوطنات داخل الضفة الغربية.
حتي دول الغرب التي حرصت علي دعم الاحتلال الإسرائيلي منذ بداية وجوده في أرض فلسطين ـ بريطانيا ومنظمة اليورو علي سبيل المثال ـ أعلنت رفضها للقانون الإسرائيلي. وجدت فيه إجراءً خطيراً يهدد حل الدولتين. ويفرض الاتجاه الواحد بكل ما ينطوي عليه من دلالات تقوض فرص السلام في المنطقة.
توقعت أن يكون رد الفعل الفلسطيني الرسمي علي هذا القانون الذي يكرس العبرية في فلسطين. مساوياً للتعسف الصهيوني في محاولة جعل القضية الفلسطينية من الماضي. أو مساوياً في الأقل لردود الأفعال الدولية التي أجمعت علي رفض القانون الإسرائيلي.
لكن الرئيس الفلسطيني محمود عباس. طالعنا بتصريح ـ في زيارته إلي العاصمة الفرنسية ـ إن لم يثر الاستغراب. فهو يثير الدهشة.
علي الرغم من الرفض البريطاني لهذا القانون. فإن الرئيس الفلسطيني يدعو الحكومة البريطانية إلي الاعتذار عن وعد بلفور!!
نسي أبومازن أن المأساة الحقيقية التي يعانيها الشعب الفلسطيني. هي إصرار الكيان الصهيوني علي ابتلاع أرضه. وتحويله مطلقاً إلي شعب من المشردين. واعتبر الوقت مواتياً لمطالبة بريطانيا بالاعتذار عن إسهامها في زرع هذا الكيان في الوطن العربي.
الاستراتيجية الإسرائيلية معلنة لإلغاء القضية الفلسطينية. أقصد التعبير. فهي تخلط بين الدعوة إلي استئناف المفاوضات العقيمة التي أخذت من الفلسطينيين منذ أوسلو. دون أن تعطي شيئاً. وبين السعي إلي عبرية الأرض. وممارسة أبشع صور القهر في الضفة الغربية. إلي جانب التسلي بالغارات المتواصلة علي قطاع غزة.
كل الشواهد مضت في اتجاه هذا القانون الإسرائيلي.. لكن السلطة الفلسطينية وجدت في المفاوضات حلاً وليس وسيلة إلي الحل.. وعلي حد التعبير الدبلوماسي لقيادة السلطة. فإن حل القضية لن يتحقق إلا بالتفاوض.
وحين بلغت التصرفات الإسرائيلية خطاً أحمر ـ التعبير لمسئول فرنسي ـ فإن الرئيس الفلسطيني يجاوز الأوضاع القاسية إلي مطالبة لندن بالاعتذار عن وعد وزير خارجيتها الأسبق. وهو ما يذكرني بالحكاية التراثية. بطلها فتوة قال لأعوانه عن رجل طيب: ارموه في الأرض. وطالبهم بضربه.. قال الرجل للفتوة وهو يعاني: لم أتألم من الضرب. لكنني تألمت لغياب صحيح اللغة في قولك: ارموه. بدلاً من اطرحوه!!
لعل الأجدي أن تتذكر السلطة الفلسطينية وظيفتها كسلطة تحرير. فتتيح للشعب الفلسطيني أن يستعيد قواه للمقاومة. ويدافع ـ علي كل المستويات ـ عن حقوقه في الأرض والحرية.