جمال سلطان
التعديل الوزاري لتجديد معنويات الشعب !
أخيرا تم الإعلان عن التعديل الوزاري الذي ظل يراوح مكانه منذ ثلاثة أسابيع تقريبا ، وسرت أحاديث كثيرة عن اعتذار العديد من المرشحين للوزارة عن قبول الترشيح ، وأحاديث أخرى عن أن رئيس الجمهورية اعترض على بعض المرشحين وأعاد القائمة لرئيس الوزراء لتعديلها ، وحفلت الصحف والفضائيات بأحاديث متكررة عن التعديل الوزاري الجديد وكواليس التعديل وأسرار التعديل ، ثم خرج لنا التعديل بقائمة أسماء لا يعرفهم أحد في مصر إلا بعض أقارب المرشحين أو ربما أصدقائهم ، ولا يوجد لأحد منهم أي تاريخ سياسي ـ باعتبار أن الوزارة عمل سياسي بالمقام الأول ـ كما لا يعرف لأحدهم إنجازات تبرر توليهم الوزارة خلفا لمن سبقوهم ، ولا نعرف في النهاية لماذا عزلوا فلان ولماذا أتوا بعلان مكانه ، بل إن الوزير علي مصيلحي ، وهو من تراث مبارك الإداري ، طلبوا منه الاستقالة من مجلس النواب لأنه مرشح لتولي وزارة ، وقال الرجل الطيب أنهم أخبروه باختياره في الحكومة الجديدة لكنهم لم يخبروه حتى الآن ـ صباح اليوم ـ عن الوزارة التي سيتولاها ، على طريقة : أهي وزارة والسلام ! . في غياب الديمقراطية ومؤسساتها وثقافتها وتوازناتها والتداول السلمي للسلطة ، تكون الحكومات عادة مجرد جهات تنفيذية ، سكرتارية ، لا تملك قرارها ، ولا تملك سياسات يمكن أن تضعها ، ولا تملك ثقة في إمكانية أن تكمل أي عمل ، ولا تملك الجرأة على الإبداع والتطوير ، هي دائما في انتظار التعليمات والتوجيهات ، كما أن الوزير لأنه لم يأت بإرادة شعبية ، وإنما بقرار من الحاكم الفرد ، فإن ولاءه الكامل يكون لهذا الحاكم ، وليس للشعب ، لأن الشعب لم يملك قرار منحه الوزارة كما لا يملك عزله ، بخلاف النظم الديمقراطية حيث يأتي الوزير ممثلا لحزب سياسي أو كتلة برلمانية كلاهما يأتي بإرادة شعبية واختيار شعبي حر ، ويمكن عزله بنفس الطريقة ، لذلك يكون للمواطن الفرد كرامة وهيبة عند الوزير أو المسئول ، لأنه ولي نعمته الحقيقي ، وصاحب قرار حاسم في توليه الوزارة أو عزله منها ، وحتى في العالم الثالث عندما يكون هناك برلمان فهو في النهاية إطار شكلي ، والأمور يتم إقرارها بعيدا عنه وتمر عليه لمجرد التصديق الشكلي ، حيث لا يملك إرادة مستقلة . أيضا ، في العالم الثالث ، يتم تغيير الوزارات للتغطية على فشل القيادة السياسية صاحبة القرار ، وهروبا من تحمل صاحب القرار مواجهة مشكلات متفاقمة ، اقتصادية أو اجتماعية ، فيقوم الحاكم بتحميلها للوزير والوزارة ، وكلاهما مسكين ، لا حول لهم ولا قوة ، فيقوم السلطان بعزل الوزارة أو عزل جزء منها ، حسب تقديره للعائد المعنوي من ذلك ، ويقوم بتعيين وزراء جدد ربما يكونون أسوأ كثيرا ممن سبقوهم ، لا بأس ، المهم أن الرسالة تصل إلى الشعب بأن "الحكومة الفاشلة" التي كانت سببا في الفساد وانهيار الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ، وفشلت في تحقيق طموحات السلطان وأفكاره الخلاقة ، تمت الإطاحة بها ، وعلى الناس التفاؤل بالجديد ، ويذكر أنه في عصر مبارك عندما ووجه نائب رئيس الوزراء ووزير الزراعة وقتها يوسف والي بمثل تلك الاتهامات قال كلمته الخالدة : نحن الوزراء مجرد سكرتارية عند السيد الرئيس ، ننفذ تعليماته ، والقرار قراره والسياسة سياسته والخطة هو التي يضعها . لذلك لا يمكن تصور أن تغيير جزء من الوزارة أو تغيير الوزارة كلها سيغير شيئا ، بل إن العادة جرت ـ في العالم الثالث أيضا ! ـ أن الوزير أو المسئول إذا كان ناجحا وبدأ الناس يشيرون إلى نجاحه وبروزه يتم عزله والإتيان بجديد فاشل ، لأن القاعدة ـ في العالم الثالث أيضا ـ أنه من أجل أن يضيء نجمك لا بد أن تطفئ كل الأنوار من حولك ، حتى لو كانت تلك النجوم قادرة على تحقيق الأفضل لبلادها وشعبها ، كما أن هناك عقدة تاريخية بالنسبة للحاكم في العالم الثالث ، وهي عقدة أن يكون له بديل ، فلأن الحاكم في العالم الثالث ليس عاديا ، وإنما هو صاحب الحكمة والقدرة والإلهام والعبقرية وهو الهدية الربانية لشعبه الذي لا يستحقه عادة ، فإن هذه النوعية من الحاكم تفزع من فكرة وجود "بديل" أو شخص مسئول أو حتى معارض في أي موقع بالبلاد يمكن أن يشار إليه يوما ما بأنه "مشروع قيادة بديلة" ، لأن أحد أهم مستندات تسويق الحاكم وبقائه على كرسي العرش ـ في العالم الثالث ـ مهما كان فاشلا هو أن يواجهك السؤال : هل هناك بديل ؟ ، لذلك من مصلحته دائما أن لا يكون هناك بديل وأن يدفن أي بديل . كما أنك ـ كمواطن ـ لن تصل إلى أي معنى بأن تتم إقالة إبراهيم محلب من رئاسة الوزارة السابقة ويأتي مكانه شريف إسماعيل ، فلن تفهم ولن تعرف أي معنى لأن يذهب حفنة الوزراء الذين تمت إقالتهم أمس ، ولا أي معنى لأن يأتي "الأسماء" الجديدة التي أعلنت اليوم ، إلا أن يكون الأمر من نوع رفع الروح المعنوية للشعب ، وتجديد التعلق بالآمال ، حسب رؤية السيسي التي فسر بها حفر قناة السويس الجديدة ، وإهدار مليارات الدولارات فيها ، رغم أنها مشروع فاشل أو لا يمثل أي أولوية للبلد .