المصريون
محمود سلطان
توصية عبد المنعم سعيد للسيسي!
عندما واجه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، جماعة الإخوان المسلمين، لم ينزل بالدولة إلى مستوى تبدو فيه وكأنها جماعة ضد جماعة. عبد الناصر، وجيله من العسكريين، كانوا ضباطًا بالجيش، ولكنهم أيضًا كانوا سياسيين، قبل أن يحكموا قبضتهم على السلطة.. وشارك بعضهم في تنفيذ عمليات اغتيال سياسي ـ جمال عبد الناصر، شارك في محاولة اغتيال حسين سري باشا، والسادات شارك في اغتيال أمين عثمان.. أذكر هذين المثالين، للإشارة إلى أنهما كانا جزئين من العمل العام، وتلقا قسطًا في التدريب السياسي، بالمشاركة والانخراط في العمل السياسي، بلغت حد تنفيذ عمليات اغتيال لقيادات بالدولة كانا على خلاف "سياسي" معهم. فعبد الناصر لم يأتِ من "الثكنة" إلى السلطة مباشرة، بدون المرور بالتدريب السياسي.. كذلك كان السادات ومن بعده مبارك الذي أمضى تسع سنوات نائبًا لرئيس الجمهورية.. ما جعل الأخير آخر محطات وعي السلطة بمفهوم الدولة. بعدها تدهور هذا الوعي بشكل غريب، ولا أدري ما إذا كان السيسي، قصد ذلك عندما وصف مصر بأنها "شبه دولة". المهم.. أن الحكومات المتعاقبة، منذ الملك فاروق وإلى مبارك، كانت في صدام مع جماعة الإخوان المسلمين، ومع ذلك ظلت الدولة هي "الدولة" ولم تبتذل منزلتها.. وتنزل إلى مستوى "جماعة" تواجه "جماعة".. لم تحشد كل قواها وتوظف كل أجهزتها لمواجهة جماعة الإخوان المسلمين.. لأن هذا الحشد وهذا التوظيف الكلي، يعتبر مهينًا لمكانة الدولة ومنزلتها وهيبتها: حين تظهر في هيئة "جماعة" كي تواجه جماعة أخرى.. الدولة ليست جماعة.. غير أن النظام الحالي، شاء أن يجعلها أقل بكثير من شبه دولة.. ويصر على أن يحشرها في زمرة الجماعات!! من يتأمل "التوصية الخططية"، التي قدمها الدكتور عبد المنعم سعيد، في كلمته أمام السيسي وقادة الجيش، واعتبرها "روشتة" لمواجهة الإخوان، كانت رؤية شديدة الإهانة للدولة؛ لأنه بالفعل قزّمها، وقدم سيناريو تأصيليًا يؤصل لهذه الخفة التي تتعامل بها مكونات الدولة الرسمية كلها في مواجهة الخطر الإخواني.. كان "سعيد" في تقديري يقدم شهادة وفاة للدولة.. ويقيم على أنقاضها "جماعة" بديلة عن الدولة أو شبه الدولة كما يصفها الرئيس. عبد المنعم سعيد.. لم يقدم جديدًا.. فالوضع قبل أن يلقي كلمته، كان فعلًا ينقل صورة للعالم بأن المواجهة ليست بين دولة وجماعة.. وإنما بين جماعة وجماعة.. ما فعله "سعيد" كان محض إعادة هيكلة التنظيم، والذي كان يتطابق تقريبًا مع التراتبية التنظيمية للإخوان المسلمين.. ألغى بمقتضاه مؤسسات الدولة، وحل محلها "مرشد عام" و"مكتب إرشاد"، وما تفرع عليهما من كيانات تنظيمية أقل. الدولة ليست جماعة.. وإذا كان ثمة من يراها كذلك.. فعليه أن يترك مقعده، ويلتحق بأي جماعة أخرى مناوئة للإخوان.. وهم كثر ومن أول داعش إلى السلفيين.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف