المصرى اليوم
عباس الطرابيلى
وزراء.. لماذا دخلوا.. ولماذا رحلوا؟!
بمناسبة التعديل الوزارى الوشيك، لم يعد أحد يهتم بمن يرحل.. ولا بمن يجىء بقدر اهتمامه بالبحث عن إجابة السؤال: لماذا يرحل هؤلاء.. ولماذا يجيئون؟!.. بل إن البعض يتعجب من معنى عرض الأسماء على البرلمان، ليوافق «فى جلسة واحدة» لا أكثر، أو يعترض، على كل التغيير المعروض.. لأن الناس كلهم يرون أن هذا العرض مجرد تنفيذ لفكرة رقابة البرلمان على أعمال الحكومة.. حتى دون النظر فى أسباب رحيل هذا الوزير.. أو مجىء وزير آخر.. فإلى متى نظل ننقل عن الغرب فكرة رقابة البرلمان- الاسمية- على أعمال الحكومة.. دون أن نعمل حقيقة بهذه الفلسفة، وبما أننا نعترف بأننا نهتم بالشكل دون المضمون، فسوف يمر التعديل كما أرادت الحكومة، وكما يراد بالبرلمان كله.. يعنى: شكل.. لا أكثر.. وبالتالى فقدت الفكرة المعنى السامى الذى يستهدفه الدستور.. وما أكثر الأمور الشكلية فى حياتنا، خصوصاً الرسمية منها.

وننسى هنا السؤال الأهم: لماذا رحل الوزير.. القديم، ولماذا يجىء من يحل محله؟.. رغم أن القديم لم تمض عليه سنة واحدة.. ومن المؤكد أن هذا هو نفس مصير الوزير الجديد.. ودون أن نسمع إجابة.. فالوزير الراحل- عن المنصب- لم يعرف أحد لماذا جاءوا به.. وما هى الأفكار التى يحملها.. وما مدى قدراته الشخصية على تنفيذها.. أم أن هناك «معوقات» سواء داخل الوزارة التى هو على رأسها.. أو معوقات مركزية تتمثل فى ضعف موارد الدولة، أو شروطا تكبل يديه فيعجز عن تنفيذ الأفكار التى هى- ربما- الأساس الذى جاء به؟!.. هنا المعنى الأساسى من عرض الأسماء على البرلمان.. ويجب عرضها على اللجان النوعية بالبرلمان بحكم أنها الأكثر قدرة على فهم المطلوب من الوزير تنفيذه.. وكل فى اختصاصه.. وهذا بالضبط هو ما يجرى فى الكونجرس الأمريكى.. إذ لا يكتفى البرلمان هناك بأن هذا الشخص هو مرشح الرئيس الجديد الفائز بأغلبية الأصوات.. بل تتحول جلسة الكونجرس إلى ما يشبه المحاكمة الشعبية.. قبل أن تسمح بالموافقة على اختياره.. وأحيانا يصل الأمر إلى رفض ترشيحه.. أما نحن فرجال «الشكليات» لا أكثر ولا أقل.

وإذا كان رئيس الوزراء المكلف بتشكيل الحكومة للمرة الأولى، أو المكلف بتعديلها- كما نحن الآن- قد أمضى كل هذا الوقت.. وفوجئ بمن يعتذر.. وأحيانا كثيرة بمن يرفض الوزارة أصلاً.. ثم لا تخرج الحكومة أو التعديل إلا بولادة قيصرية.. فإننا هنا ننسى «الولادة الطبيعية» ولهذا تأتى الحكومة، ويأتى الوزراء بولادة غير طبيعية.. وتكون النتيجة فشلا ذريعاً.. نكتشفه، وبعد أيام قلائل من أداء اليمين الدستورية.. وعندنا أمثلة عديدة فى معظم الحكومات.. ورحم الله وزراء بالصدفة كما جاء أحدهم قبل يوليو 1952 ليصبح وزيرا للتموين.. وعندما جاء أحدهم وزيراً لنفس الوزارة بعد أكثر من 65 عاماً، لأنه نجح خلال عمله السابق فى جهاز سيادى «منظم» بالطبيعة.. وكلاهما بالمناسبة سقط فى الامتحان. وزير الصدفة.. أو وزير الجهاز السيادى!!.

وليس شرطاً أن يكون الرجل المختار أستاذاً فى مادته فى الجامعة.. ولكن الأهم ألا يبتعد هذا الشخص عن إنسانية أفكاره.. حتى لا تلعنه الجماهير كلها.. المهم أننا هنا نرى أن من أهم أسباب مشاكلنا- مع وزراء الحكومة- أننا لا نعرف المعايير التى جاء الوزير لينفذها.. ولا نعرف علم اليقين إمكانياته على تنفيذها.. بل مجرد كلمات عامة أبرزها: تنفيذ الأهداف المرجوة!!، هنا يجب أن نتخلى عن كل أساليب الاختيار التقليدية القديمة بعد أن ثبت لنا عدم جدواها.. ولا نكتفى هنا بالملفات التى تقدمها كل الأجهزة عن شخص المرشح وإمكانياته.. والأهم أن نمنحه الوقت الكافى لتنفيذ أفكاره.. أما أن يتقرر ذهابه دون ذلك فهذه جريمة ليست فقط فى حق الوزير.. ولكن فى حق ومصير الوطن كله.

** وهل نطلب هنا أن يستدعى البرلمان الوزير المراد الإطاحة به.. ليمثل أمام النواب ويخضع لمناقشة، ولو سرية، ليعرف البرلمان لماذا تتجه الدولة إلى تغييره.. وما هى المعوقات التى وقفت دون تنفيذه، ما يحمل من أفكار، أم أننا لم نصل بعد إلى هذه الشفافية؟.. فإذا رأى البرلمان أن يبقى.. يبقى!!، وإن رفض رئيس الحكومة- ولديه أسبابه- هنا تتم مساءلة رئيس الحكومة عن أسباب رفضه التعامل مع هذا الوزير.. فإن عجز.. يرحل هو نفسه!!، أم يا ترى مازلنا فى سنة أولى برلمان وسنة أولى حكومة.

** من حق الوزير المقرر رحيله أن يقول للناس: لماذا جاءوا به.. ثم لماذا تقرر الإطاحة به؟.. وهذا الحق نفسه للشعب كله.. لأن القاعدة تقول إن الديمقراطية هى حكم الشعب بالشعب.. لصالح الشعب.. أى من حق الشعب أن يعلم.. وربما لغياب هذه القاعدة كثرت اعتذارات معظم من عرض عليهم المنصب الوزارى.

** ثم لماذا لا يعقد البرلمان جلسة تخصص لمناقشة أفكار المرشحين للوزارات.. حتى يعرف نواب الشعب إمكانيات كل واحد منهم.. بل حتى يعرف الناس الحقيقة كاملة فى أسباب الدخول.. ثم فى أسباب الخروج.. نقول ذلك لأن فى مصر وزراء لم نعرف لماذا خرجوا، رغم أنهم خرجوا من نصف قرن!!.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف