الوطن
حسن ابو طالب
الرئيس هادى بين العَلم والدولة
يوم أن تسلم الرئيس هادى منصور رئاسة اليمن بعد انتخابه وفقاً للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، قال قولة محدودة الكلمات غنية بالمعانى والدلالات: «لقد تسلمت علماً ولم أتسلم دولة». والمغزى لا يفوت على لبيب مدرك لأوضاع اليمن ومعادلاته السياسية والاجتماعية والأمنية التى صاغها الرئيس المخلوع على عبدالله صالح، على مدى ثلاثة عقود، حيث المؤسسات موجودة شكلاً ولكنها فارغة مضموناً، ولم تكن سوى واجهة يتخفى وراءها شيوخ القبائل النافذة فى سلب ونهب خيرات البلاد، أما الجيش فحدث ولا حرج، فكان بعيداً عن أن يكون جيشاً للوطن، وكان أقرب إلى مجموعة وحدات عسكرية تدين بالولاء لقائدها المباشر، وكل حسب نفوذه القبلى.

وحين تم تسليم السلطة للرئيس هادى كانت المشكلة الأكبر أمام الرجل هى كيف يحكم وهو بلا قبيلة نافذة وليس وراءه حزب كبير، وليس وراءه حركة سياسية شعبية تؤمن بما يبشر به الرجل، ولا توجد مؤسسات بمعنى الكلمة، وقيادات الجيش فى أغلبها لم تكن ترى فى الرجل القيادة العسكرية القوية على غرار القيادات المدعومة من قبائلها، وفى الشارع حركات وتمردات من كل لون، فالحراك الجنوبى كان ساعياً للانفصال بالجنوب، والحوثيون استمروا فى تقلباتهم، والشعب يئن من الغلاء والفوضى، و«القاعدة» كانت تنتشر وتتمدد فى المناطق التى خلت منها الدولة ورموزها. ولم يكن لدى الرجل سوى إيمانه بأن القدر وضعه فى هذا الاختبار الكبير، اختبار حماية الوحدة من الانقسام والوقوع فى الفوضى والدمار الذاتى. ومن ثم أخذ فى إعادة بناء الجيش اليمنى، وأنهى خدمة البعض من كبار القيادات، وأعاد دمج تشكيلات، وأعاد تموضعها، ولم يكن الأمر سهلاً، إذ تبلورت معارضة بعضها ظاهر والكثير خفى، والهدف كان واحداً وهو إفشال الرجل فى مهمته التى كان عنوانها إنهاء ميراث الرئيس المخلوع.

وكان التحدى الأكبر هو فى استكمال الحوار الوطنى وصولاً إلى دستور جديد ينشئ دولة بالمعنى المتعارف عليه، ويحولها من مجرد علم إلى مشروع دولة، ويوفر لكل صاحب مظلمة حقه المهضوم، ويعطى الأمل لجيل جديد كان له الفضل فى الثورة والتمرد على الرئيس المخلوع إلى أن تم إبعاده عن المشهد السياسى التنفيذى ولكن بحصانة له ولفريق ممن عمل معه وأفسد البلاد على مدى سنوات طويلة، ولم يكن الهدف سوى تسريع الانتقال إلى عهد جديد، وهنا كان الخطأ الأكبر الذى دفع فيه اليمن ثمناً كبيراً وما زال يدفعه، أن يبقى المخلوع موجوداً فى الداخل بلا محاسبة ويعمل على التآمر علناً وهدم كل ما يمكن هدمه حتى الحجر ذاته.

بعد أربعة أعوام من بدء هذا الاختبار، وستة أعوام من ثورة الشباب اليمنى التى بدأت فى يوم 11 فبراير، اليوم ذاته الذى تنحى فيه «مبارك» قسراً عن حكم مصر وشكل دفعة كبرى لنزول مجموعات اليمنيين إلى الشوارع يطالبون فيها «صالح» بالتنحى كما فعل «مبارك»، لا تبدو الأمور اليمنية كما كان يرغب «هادى» ووراءه الغالبية العظمى من الشعب اليمنى المغلوب على أمره، والقصة هنا معروفة بداية من الانقلاب الحوثى المدعوم إيرانياً والمتحالف مع الرئيس المخلوع وميليشياته المسلحة فى 21 سبتمبر 2014 بعد أن كان الحوار الوطنى الممتد على مدار أكثر من عام قد وصل إلى مسودة دستور تعيد بناء الدولة اليمنية على قاعدة الوحدة الجغرافية والفيدرالية كنظام حكم، مع نظام لتوزيع الثروة الممثلة فى المياه والنفط والغاز والمعادن والثروة السمكية على الأقاليم الستة يراعى حجم التنمية المطلوب فى كل إقليم جنباً إلى جنب حجم الموارد المتاحة بالفعل لدى الدولة ككل ولدى كل إقليم على حدة.

الجزء الأكبر من الانقلاب الحوثى المتحالف مع الرئيس المخلوع هو انقلاب على مشروع إعادة بناء اليمن وفقاً لمخرجات الحوار الوطنى والذى يرى «هادى» أنه الأمين على هذا المشروع، أما الجزء المتبقى فيتعلق بامتداد النفوذ الإيرانى المتعلق بتحزيم الجزيرة العربية وما فيها من دول ومجتمعات. ولذا أصبح التداخل والتشابك والترابط المصلحى الراهن والاستراتيجى بعيد المدى بين مشروع الرئيس هادى المتمسك بمخرجات الحوار الوطنى، وبين حق السعودية ودول الخليج الأخرى فى الدفاع عن نفسها مسألة محسومة، وهو ما جسدته قرارات الأمم المتحدة، لا سيما القرار 2216 الصادر فى 14 أبريل 2015، حيث فرض عقوبات على زعيم الحوثيين وقيادات عسكرية أبرزها أحمد ابن الرئيس المخلوع، وشمل حظراً على الأسلحة والعتاد لقوى الانقلاب، ودعا الدول جميعها فى تطبيق هذا الحظر براً وبحراً وجواً، وحدد مسئوليات الحوثيين فى التراجع فوراً عن الانقلاب، وتسليم الأسلحة للحكومة الشرعية، وتسليم المؤسسات والخروج من العاصمة صنعاء، والتسليم بشرعية الرئيس هادى، والالتزام بمخرجات الحوار الوطنى والمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، والامتناع عن العنف وتهديد الدول المجاورة.

ووفقاً لهذه القرارات الدولية فإن مهمة المبعوث الدولى، إسماعيل ولد الشيخ، هى تطبيق هذه القرارات وعدم الخروج عنها، وقد حاول الرجل من خلال جمع الفريقين فى الكويت أبريل ويوليو 2016 لوضع جدول زمنى للتنفيذ، وشهد بنفسه مراوغات الحوثيين و«صالح»، الذين حاولوا أن يفرضوا صيغة سياسية أمنية تلتف على مضمون والتزامات القرارات الدولية، وهو ما رفضه وفد الحكومة الشرعية فى حينه. ولذا يبدو غريباً أن يعمل المبعوث الدولى على تغيير صيغة القرارات الدولية، مدفوعاً بمحاولة وزير الخارجية الأمريكى السابق، جون كيرى، فى أن يعلن عن تسوية فى اليمن قبل خروجه من السلطة ولكن على حساب شرعية الرئيس هادى، مطالباً آنذاك بإخراج الرجل من المعادلة. ورغم عدم إعلان «ولد الشيخ» عن مبادرة رسمية بهذا المعنى، لكن ما قدمه من أفكار للحوثيين ولحكومة «هادى» فى أكتوبر الماضى يدل على تغيير جذرى لقرار مجلس الأمن، وانصياع كامل لشروط الحوثيين؛ حيث البدء بخطوات سياسية شاملة تتضمن نزع صلاحيات الرئيس لصالح نائب رئيس يتم الاتفاق عليه يشكل حكومة محاصصة نظير خروج رمزى لبعض قوات الحوثيين والمخلوع صالح من مناطق فى صنعاء، على أن تبقى القوات التابعة لهم فى تعز والحديدة وغيرهما، الأمر الذى يبدو أنه إضفاء شرعية على الانقلاب، ونزع الشرعية عن «هادى» وحكومته. ولم يكن منتظراً سوى رفض تلك الصيغة جملة وتفصيلاً. وسيظل الرفض السياسى قائماً وإلى جواره مزيد من الأعمال الحربية إلى أن يُحسم الأمر على الأرض، وهو ما يتطلب تضحيات أكثر مع انتظار تبلور موقف أمريكى حاسم تجاه اليمن وأزمتها.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف