الأهرام
هانى عسل
الاقتصاد الأسود.. من الكافيهات إلى دولارات البلاطة
تريدون إصلاح الاقتصاد؟ إذن، أعلنوا الحرب فورا على «الاقتصاد الموازى» أو الاقتصاد الأسود.
اجعلوها حربا شاملة لا هوادة فيها، أكبر من حرب الإرهاب، مهما تكن الخسائر والاعتراضات، ومهما علت أصوات المخادعين الكاذبين المدافعين عمن يسمونهم بـ «الغلابة» ومهما تراجعت شعبية الرئيس أو الحكومة أو البرلمان بين مؤيدى هؤلاء اللصوص، ولا أجد وصفا لهم إلا أنهم «لصوص» حتى لو تذرعوا بحججهم الواهية، من نوعية «الناس تعبانة» و«العيشة صعبة» و «الحكومة بتسرقنا»!

طيب.. ما هو الاقتصاد الموازى؟ وكيف يعد سببا رئيسيا لما نحن فيه الآن؟ وكيف سيظل قيدا يغل يد مصر عن إصلاح أحوالها؟

فى كتاب الاقتصاد «بتاع ثانوي» سنجد تعريفا طويلا عريضا لهذا النوع من الاقتصاد السرطاني، اقتصاد الظلام، أو اقتصاد بير السلم، يقول إنه «الاقتصاد غير المدرج فى الناتج المحلى والدخل القومى، وغير الواقع تحت مظلة الدولة» وهو ما ينطبق على كثير من الصناعات الصغيرة والأنشطة التجارية المحدودة أو المتنقلة، وبعض الأعمال الحرفية البسيطة التى لا تخضع لأى رقابة أو ضوابط أو قوانين، أى أنه باختصار كده، وبالبلدى عبارة عن «عملية سرقة علنية» تتعرض لها الدولة، ليلا ونهارا منذ عشرات السنين، دون أن تجد من يوقفها، إلى أن استفحلت وتحولت إلى ثقب أسود يمتص حقوق البلد وثرواته وميزانياته، ولا يجد من يغلقه، بل ولا يجد من يجرؤ على مجرد الحديث عنه ولو بكلمة واحدة!

هذا الكلام معناه ببساطة أن موظف الحكومة «بتاع الشاى» و «الإكراميات» اقتصاد أسود، منادى السيارات اقتصاد أسود، أى شغل إضافى على حساب عملك الأصلى اقتصاد أسود، سائق الملاكى الذى حول سيارته إلى «أجرة» اقتصاد أسود، الدروس الخصوصية و«السناتر» اقتصاد أسود، الميكروباص والتاكسى المتلاعب بالأجرة اقتصاد أسود، التوك توك غير المرخص اقتصاد أسود، المحال التجارية والكافيهات التى احتلت أجزاء من الشارع لزيادة الزبائن والمبيعات اقتصاد أسود، الحرفيون الذين يعملون دون ضرائب أو فواتير اقتصاد أسود، مافيا صيانة الأجهزة المنزلية التى تتم خارج فواتير الشركات اقتصاد أسود.

الأرقام تقول إن حجم الاقتصاد غير الرسمى فى مصر بلغ العام الماضى 2,2 تريليون جنيه، بينما قيمة الضرائب المهدرة على خزينة الدولة 330 مليار جنيه، والمعلومات تشير أيضا إلى أن مصر بها ما يقرب من 50 ألف مصنع خارج مظلة الاقتصاد الرسمى، أو ما يطلق عليها «مصانع بير السلم»، وهى المسئولة بالتأكيد عن إغراق الأسواق بمختلف السلع المضروبة التى يتم الكشف عنها ومصادرتها بين الحين والآخر.

وفى أزمة الدولار الأخيرة، ظهر الاقتصاد الأسود فى أبشع صوره وأحقرها، وبالتأكيد، كانت الخسائر أفدح من الأرقام السابقة.

لن نتحدث هنا عن بدايات الأزمة بضرب السياحة وخطة جمع الدولارات من المصريين فى الخارج بأسعار أعلى وتحملت فوارقها عصابات ودول بكاملها، ولكننا نتحدث عن عصابات «الفهلوة» فى الداخل التى حولت الدولار إلى سلعة تباع وتشترى خارج الإطار الرسمي، و «مش مهم البلد»، المهم كل بيه فيهم يكسب ويحس برجولته ويقعد على «الفيسبوك» ينشر عشرين «بوست» مع كل قرش يزيد فى سعر الدولار، و «ينشكح» كلما نشرت الصحيفة الخاصة «إياها» مانشيتاتها المرعبة عن سعر الدولار فى السوق السوداء، وكأننا فى جمهورية موز!

هؤلاء جميعا كانوا يحلمون بأن يصل الدولار إلى 25 و50 و100 جنيه، ولكنهم الآن يبكون بالدموع بعد تراجع السعر، فقد اضطروا إلى «تسليم» ما لديهم تحت البلاطة للبنوك صاغرين، وبما يرضى الله!

.. قصر الكلام : الإصلاح الاقتصادى يبدأ بمحاربة الاقتصاد الموازى، دون تفرقة بين لص صغير وآخر كبير، ودون قبول أى مزايدات، أو تبريرات للكسب الحرام!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف