في مصر ألغام كثيرة.. تتضارب بشأنها الأرقام.. لكن المؤكد أنها حرمتنا من فرص هائلة للتنمية. خصوصاً في الصحراء الغربية التي كانت يوماً سلة غذاء العالم.. ولاتزال واعدة في الزراعة والتعدين والسياحة.
أرقام الألغام كبيرة تتراوح بين 7.2 و19 مليون لغم تحتل ما يقارب 22% من مساحة مصر.. وتتضاعف الدهشة وربما الحسرة إذا علمنا أنها تزخر بإمكانيات هائلة وثروات ضخمة تمتد من الصحراء الغربية إلي نظيرتها الشرقية وسيناء.. قضية الألغام لم تنل حظها الواجب من الاهتمام إعلامياً. فهي مهملة أو مسكوت عنها أو يلفها الغموض والإهمال رغم أهميتها الفائقة. ليس فقط لأنها حرمتنا علي مدار 70 عاماً من الاستفادة من أجود أراضينا الصالحة للزراعة والغنية بالمعادن والغاز والبترول ولا من التعويضات الواجبة ممن تسبب فيها. بل لأن الدول المتسببة في تلك الكارثة لا تجادل في مسئوليتها عن ذلك التخريب والتدمير المتعمد وإن حاولت التنصل من القضية. ذلك أنه ليس هناك اتفاقيات ولا قوانين دولية تلزمها بإصلاح ما أفسدته. حتي اتفاقية أوتاوا لا تقدم حلاً شافياً.. الأدهي ما قاله اللواء مجدي دياب رئيس الجمعية العربية لخدمة المناطق المضارة من الألغام. منسوباً للدكتور مفيد شهاب. بأن لدي هذه الدول مكاتبات من حكومات مصرية سابقة تعفيها من تحمل تكلفة إزالة هذه الألغام.. ولو صح ذلك لوجبت محاكمة من أضاعوا حقوق مصر في ذلك الملف الشائك.. كما أننا لا نزال نتعامل مع الألغام علي طريقة الجزر المنعزلة. فالتنسيق يبدو منعدماً بين الوزارات المعنية. وجهود الحكومات المتعاقبة تتسم بالعشوائية. باستثناء ما تقوم به القوات المسلحة من جهود هائلة لإزالة تلك الألغام. حيث تمكنت من إزالة 3 ملايين لغم.. لكن يبقي نقص الإمكانيات عائقاً في طريق التخلص السريع من هذه الكارثة. فنزع الألغام عملية مكلفة جداً. وبعضها مزروع علي أعماق كبيرة. ناهيك عن عوامل التعرية وحركة الرياح التي حركت هذه الألغام من مكانها وضاعفت صعوبة التخلص منها. حتي الخرائط التي تسلمتها مصر من الدول المسئولة عن زرع تلك الألغام ـ علي أهميتها ـ يراها البعض مجرد كروكي وليس خرائط واضحة. حيث قامت الدول الثلاث "بريطانيا وألمانيا وإيطاليا" بتلغيم أراضينا بطريقة عشوائية أيضاً إبان الحرب العالمية.. كما أن المعدات اللازمة لا توجد إلا في عدد قليل من الدول العظمي. واستخدامها يحتاج لتجهيزات كبري تتطلب قوة اقتصادية لا تتوافر لمصر في ظروفها الراهنة.
خسائر الألغام كبيرة سواء في البشر أو الموارد. فثمة آلاف الضحايا "8 آلاف بين قتيل وجريح ومصاب".. أما الخسائر الاقتصادية فيقدرها البعض بنحو 300 مليار جنيه وتكلفة إزالتها بنحو 63 مليار دولار.. ناهيك عن تعطيل فرص الحياة في المناطق الملغومة.. الأمر الذي يستلزم إعادة القضية إلي بساط البحث لتحديد المخارج القانونية والدبلوماسية لإلزام الدول المسئولة عن زراعتها بإزالتها وتعويض الضحايا.. فإذا كانت الألغام تسببت في توقف استصلاح نحو مليون فدان قابلة للزراعة في الصحراء الغربية رغم توافر المياه اللازمة.. وتعطيل مشروع منخفض القطارة الذي يعادل في أهميته "السد العالي" فإن القضية تستحق النقاش. وتنسيق الجهود وتسليط الضوء الإعلامي عليها واستنفار الجهود للبحث عن مخارج حقيقية وتبني موقف دولي داعم لحقوقنا العادلة.. ربما يكون ذلك مخرجاً من أزمات لا سبيل لتجاوزها إلا بحلول من خارج الصندوق.