كتبت هنا، أمس، عن اختيار الوزراء.. وعن تغييرهم، دون أن نعرف لماذا جاء بعضهم.. ولا لماذا رحلوا.. واليوم يكون السؤال الطبيعى: ولكن لماذا يبقى هؤلاء؟.. وربما لرئيس الوزراء المهندس شريف إسماعيل أسبابه، حيث استطاع أن يكتم ويحجب أسماء المرشحين.. أو حتى الذين قابلهم.. ثم اعتذروا.. وكما تسرب، أمس، فإن رئيس الوزراء قابل أكثر من ٥٠ شخصاً.. واعتذر منهم ٤٠. ودون أن نتدخل فى أسباب الاعتذارات.. يتبقى أمامنا السؤال الأهم: ولماذا بقى هؤلاء؟
كان هناك الكثير عن وزراء سيخرجون فى التعديل الوزارى.. منهم وزراء الصحة والثقافة والرى والأوقاف والسياحة والبيئة.. ولكن هؤلاء كلهم بقوا، وظلوا فى مناصبهم.. فهل السبب عدم وجود من يحل محلهم؟! لا أحد يعرف الحقيقة.. وأعتقد أن أغلبية المصريين فوجئوا بأن التعديل لم يشمل بعض هؤلاء، وبالذات وزارة الصحة
ليس بسبب المعركة بين وزيرها والصيادلة.. ولكن لأن أداء الوزير لم يكن كما يجب.
تماماً كما صُدم الناس من تغيير وزير النقل، الدكتور جلال مصطفى سعيد، الذى خسرته القاهرة محافظاً ناجحاً، عندما قبل تحمل أعباء وزارة النقل.. وأدى فيها نجاحات عديدة خصوصاً أنه كان- سابقاً- وزيراً لنفس الوزارة.. أى جاء بسبب نجاحاته فى النقل، وأيضاً نجاحاته وإنجازاته فى القاهرة.. بجانب خبرته الطويلة فى قطاع النقل، ولكن لأن كل دراساته الجامعية، وما بعد الجامعة حتى نال درجة الدكتوراه كانت فى نفس هذا المجال.. النقل.. أى يجمع بين الجانبين العلمى والعملى معاً.. هنا لابد أن يعرف الناس لماذا شمل التعديل الدكتور جلال سعيد، أى لماذا خرج رغم أن إنجازاته فى مجال النقل تؤكد أن كل المصريين يعترفون بحجم ما قدمه.. حتى إنه كان لا ينام ربما إلا ٤ ساعات يومياً.. وتجده يتنقل بين كل مواقع المشروعات فى كل بقاع مصر.. ويشهد الناس أن هذه الإنجازات هى من أفضل إنجازات الحكومةـ فى النقل وفى الكهرباءـ بل كان الناس يتمنون تكرار هذين النموذجين الناجحين.. وما جرى للدكتور جلال سعيد يشبه إلى حد كبير ما حدث لمسؤول كبير نجح فى كل المواقع منذ كان وزيراً للإسكان.. ثم خلال عمله رئيسا لوزراء مصر، ونقصد به المهندس إبراهيم محلب، الذى مازال كل المصريين يتساءلون لماذا تم تغييره وهو فى قمة إنجازاته.. فهل هذان المثالان يؤكدان لنا أننا أسياد من يستخدم «جزاء سنمار» حتى إن كان الرئيس السيسى نفسه اقتنع بإمكانيات إبراهيم محلب، وبقدرته على الإنجاز.. فضلاً عما يمتلكه من كاريزما حببت فيه كل المصريين.. ومازالت.. فأسند إليه مسؤولية موقع جديد، هو مساعد الرئيس للمشروعات القومية الكبرى.. فهل إلى هذا الحد تفقد مصر أكثر خبراتها قدرة على العمل والإنجاز.. أم هناك أمور شخصية تشوب العملية كلها؟
ونفس الشىء يقال حول خروج الدكتور أحمد زكى بدر وزير التنمية المحلية.. فهل يا ترى تعثر الوزير فى عملية مواجهة الفساد الرهيب فى أهم قطاعات الدولة، أى المحليات.. أم أن مافيا الفساد فى هذه الوزارة وكل ما يتبعها كانت أقوى من الوزير، فلم يستطع أن يحقق أحلام الناس فى إصلاح هذا القطاع شديد الفساد.. أم أنه تم تغييره بسبب ما قيل عن معاركه مع بعض المحافظين؟
ثم إن كان رئيس الوزراء يعرف إمكانيات الوزراء الجدد.. أو اتفق معهم على برامج تنفيذية محددة.. فإن الناس- وأيضاً مجلس النواب- لا يعرفون هذه الإمكانيات أو القدرات، ولا يكفى أن يقولوا للناس سيرة الوزير العلمية.. أو شهاداته.. ولكن ما يهم هنا هو ما هى مقترحاتهم لمواجهة مشاكل الناس مع وزاراتهم.. وهذا أكثر ما نحتاج هذه الأيام.
■ ■ نريد أن نعرف ماذا سيقدم كل وزير جديد.. وماذا يملك لتنفيذ ذلك.. حتى نستطيع أن نحاسب الواحد منهم، ولو بعد ستة أشهر من الآن.. أى على أىّ أساس جاء وزيراً.. وما الذى يجعله مفضلاً على الوزير الذى رحل.
■ ■ وقبل ذلك نريد- نحن الشعب- أن نعرف لماذا رحل كل وزير من الراحلين، ولا يكفى ما يقوله رئيس الوزراء من أن كل واحد منهم قد أدى واجبه.. وبذل جهده.. بل على رئيس الوزراء أن يقدم للشعب كشفا بأعمال كل واحد منهم.. الإيجابى وأيضا السلبى.. حتى لا يظل الرجل مطارداً بأنه بات مغضوباً عليه.. ولذلك دخل دائرة النسيان.. وهكذا تخسر مصر دائماً أفضل رجالها.
■ ■ وأقول: أنا- مع الحكومة بكل التعديل الذى أصابهاـ لست متفائلاً بالمرة.. لأننا بهذا الأسلوب فى التغيير نسلك نفس السلوك الذى كان سائداً لسنوات طويلة سابقة.. وإن ذلك يعنى أن بلادنا عادت إلى عادتها القديمة، وأننا لا نريد أن نتعلم وبذلك لن نكسب أبداً.
ومن المؤكد أن نفس الشعور بالتشاؤم وعدم التفاؤل يسود الناس جميعاً، ولا أدرى ماذا أصاب الناس فى أداء مجلس النواب، الذى رضى ووافق على هذا التعديل فى جلسة واحدة.. وكأنها مجرد جلسة إجراءات، وسرعان ما عاد المجلس إلى.. جدول الأعمال.. وكأن البرلمان نفسه، وهو من يراقب أعمال الحكومة، لا يملك أن يعترض.
نعم، لست متفائلاً.. بل شديد التشاؤم.. فلم أعرف لماذا بقى من بقى من الوزراء.. تماماً كما لم أعرف لماذا خرج كل وزير من الخارجين؟!