المساء
سمير الجمل
سألوني الناس .. الغالي بالجرام.. والرخيص بالطن!!
هل أصبح القبح منهجاً يسيطر علي حياتنا بالتلوث السمعي والبصري والهوائي؟
دعونا نبدأ بالفن وانظر إلي تلك الديكورات الفخمة.. والحياة الناعمة الميسورة التي تراها في أغلب المشاهد وستجد سلوك أهلها في الحضيض.. وانظر إلي السياسة عندنا فيها بهلوانات لا يعرفون إلا لغة الاستعراض واللعب علي كل الحبال ومع الرايجة.
وانظر إلي تعليمنا.. مدرس تعيس يتلاعب به العيال.. وتلامذة سلاحهم "البوظان" والانفلات وأولياء أمور يساعدونهم علي الغش بكل السبل التكنولوجية وأحدثها. وتأمل التجار وقد تمكن فيروس الجشع من أغلبهم.. حتي أصبح قانونهم ليه اكسب أقل وأنا أقدر أكسب أكثر وانظر.. وانظر في أمور حياتنا.. التي رفعت شعاراً يقول: "امش معووج يحتار عدوك كيف يرضيك ويطلب ودك.. علي أساس ان سيادتك لبط.. وعضمك ناشف ومن الصعب ابتلاعك".
ماذا لو سألنا أنفسنا جميعاً.. السؤال المؤلم والموجع: ما قولك في الربط بين أبناء الحواري والأحياء الشعبية.. والفوضي والهرجلة والبلطجة ولمؤاخذة الزبالة؟.. إلا أنها المسلسلات المشكوك في أمرها.. وأفلام السبكي وأمثاله ونسي هؤلاء ان أبناء الحواري هم عنوان الجدعنة والشهامة.. وقد كانوا فيما مضي يفترشون أمام بيوتهم الغلبانة وقد رشوا تراب الحارة بالماء.. وأمامهم القلل القناوي تفوح منها رائحة ماء الورد وهم يستمعون إلي أم كلثوم في حفلاتها الشهرية وهي تشدو بقصائد فصيحة لكبار الشعراء.. ثم يا أخي الست نفسها نموذج للعصامية الفلاحة التي علمت نفسها وعلمتنا جميعاً وأصبحت علماً للوطنية.
وكأني بذلك أشحن بطاريات حضرتك نحو مشكلة المشاكل التي نعاني منها جميعاً.. ونحن صناعها.. فإذا وجهت لومك إلي سائق الكارو إذا ترك حماره يفعلها علي الطريق مؤكداً بصمته.. فهل تقبل من راكب سيارة دفع رباعي أحدث موديل يكور منديله الورقي أو بقايا أكلاته ويطوحها أمامك علي الطريق السريع وقد يسعفك الحظ وتلبس في وجهك وتكون من المحظوظين ببقايا الأستاذ "زبالة".. وهو نفسه الذي ستجده جالساً أمامك في مترو الأنفاق يتسلي باللب والسوداني ولا ينقصه إلا كيلو موز.. ثم يتحول فمه إلي قاذفة صواريخ من قشر القزقزة وتنظر إليه لعله يختشي علي "لبه" فلا تجد منه إلا التناحة والغلظة كأنه يجلس في بيت أهله وهذا المعلم أجبرته رئاسة الحي أن يضع صندوقا للقمامة أمام دكانه ومع ذلك يلقي بمهملاته تحت الرصيف ناسياً أن زبالته ستعود إليه ولو بعد حين.
وتمضي هنا وهناك وتجد رجال النظافة يجمعون أطناناً من القمامة منها الورقي والبلاستيك والمعدني وأشياء أخري ثم ما هي إلا دقائق معدودة وتتحول الشوارع إلي صندوق كبير.. يكون لمدام "قرف" النصيب الأكبر في هذا المهرجان.
** ويقول الحكيم في صلب الموضوع: يا بني نظف قلبك وعقلك تصبح قادراً علي تنظيف بيتك ومكانك.. والمعني أن عدم نظافة الأنفس.. تحول الإنسان إلي كائن همجمي أهوج فوضوي.
ويبدو أنني سأضطر إلي سؤال الحكيم مرة أخري وماذا عن هؤلاء الذين تعايشوا مع الزبالة.. فأصبحت هي وهم في صندوق واحد.. مع أن غيرهم.. انتفض وقرر أن يكشحها وأن يمسح آثارها بأستيكة.. ونجحوا وحولوا مواطن "العفاشة".. إلي حدائق تزدهر بمعدنهم الطيب النقي الذي يرفض القبح ويعتبره جريمة في حق نفسه وأهله وبلده.
وعندما قلت للحكيم أن الغالبية للأسف تكره الزبالة.. لكنها في نفس الوقت تطمئن لوجودها أمامها وتفتح شباكها فتراها أكواماً وتفرح وهي تجدها تعلو وتعلو يضحك الحكيم من مسئوالي حول زيادة أعداد المهابيل والملاحيس علي أعداد العقلاء والنبلاء ويكون جوابه: ألم تفكر أننا نشتري الذهب والألماظ بالجرام.. ونبيع الزبالة بالطن بل وندفع لكي نتخلص منها؟
والسؤال يا أهلنا أتفضلونها بالجرام أم بالطن؟
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف