المساء
مؤمن الهباء
شهادة .. الدرس الكبير
من الطبيعي أن نفرح بوقفة تيار المعارضة القوي في أوروبا وأمريكا ضد قرارات الرئيس ترامب العنصرية بمنع دخول مواطني 7 دول إسلامية إلي الأراضي الأمريكية وإذلالهم في الموانئ والمطارات.. خصوصاً بعد أن تجاوزت هذه الوقفة حدود المظاهرات الشعبية ووصلت إلي منصات القضاء التي أوقفت القرارات الفاسدة وأبطلت مفعولها.
ومن الطبيعي أن نفرح بمظاهر التضامن والتعاطف مع المسلمين الأمريكيين.. والتي بدت قوية تتحدي قرارات ترامب.. حتي رأينا بعض الكنائس الأمريكية ترفع الآذان وتفتح أبوابها للمسلمين كي يصلوا فيها.. ورأينا بعض القساوسة وحاخامات اليهود ـ غير المتصهينين ـ يتصدرون المظاهرات والمسيرات الرافضة لقرارات ترامب العنصرية.. ويتعمدون ارتداء ملابسهم الدينية لإبراز وتأكيد هويتهم.. بينما اقترح بعض الساسة والشخصيات المشهورة تسجيل أنفسهم كمسلمين في القوائم التي يريد ترامب إعدادها خاصة للمسلمين في أمريكا بهدف إخضاعهم للمراقبة طبقاً للوعود التي أطلقها في حملته الانتخابية.
ومن الطبيعي أن نفرح ونبتهج عندما نري بعض الكنائس الفلسطينية ترفع الآذان من فوق أبراجها رفضاً لقرارات حكومة الإرهابي نتنياهو بحظر الآذان بمكبرات الصوت في القدس وضواحيها.
من الطبيعي أن نفرح ونبتهج بهذه المظاهر التضامنية مع قضايانا العادلة من جانب أناس يرتبطون معنا برباط الإنسانية.. لكن الأجمل من الفرح والابتهاج أن نتعلم من هذه التجربة العملية كيف نحق الحق ونقف معه بكل قوة.. وكيف نتضامن مع القيم الإنسانية الرفيعة لتطبيق العدالة ونصرة المظلوم بصرف النظر عن انتماءاتنا الدينية أو العرقية.. وكيف نرتفع فوق الخلافات والاختلافات حين نميز بين الحق والباطل فنحسن التمييز ونقف مع الحق.. ولو كان هذا الحق مع الآخر المختلف عنا.. أو المختلف معنا.. أو حتي مع خصمنا اللدود.. فالحق أحق أن يتبع.
لقد جاءت قرارات ترامب المتهورة محنة عنيفة وثقيلة.. لكن سرعان ما تحولت المحنة إلي منحة حين رأينا العالم كله يتضامن مع المسلمين المتهمين المقهورين ويقف في وجه ترامب.. هذه التجربة العملية يجب أن نتعلم منها ضرورة أن نكون إيجابيين.. وأن تكون ضمائرنا يقظة لنقف مع العدل والحق أينما كانا.. ونرفض كل صور التمييز والقهر.. ونرتفع فوق انحيازاتنا وانتماءاتنا الدينية والعرقية والسياسية والحزبية فننكر المنكر ونحق الحق.. حتي نكون أسوياء جديرين بالانتماء للإنسانية وقيمها الرفيعة.
وقد أمرنا الله تعالي أن نكون دائماً في جانب العدل والقسط ولو علي أنفسنا وأهلنا وننصر الحق حتي ولو كان هذا الحق مع الأعداء والخصوم.. يقول تعالي: "يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم علي ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوي".
ويقول: "يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو علي أنفسكم أو الوالدين والأقربين".
ويقول سبحانه: "وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربي".
الدرس الكبير الذي يجب أن نخرج به من هذه المحنة هو أن نكون ملتزمين بالاتساق الفكري والأخلاقي.. فلا يعقل أن نرفض التمييز الديني والعرقي ضد المسلمين في الولايات المتحدة وأوروبا وميانمار ثم نمارس نحن التمييز ضد الآخر في بلدنا وعلي أرضنا.. ونعطي أنفسنا حقوقاً لا نعطيها للآخرين.. المبدأ واحد.. وما لا نقبله لأنفسنا لا نقبله لغيرنا.
لو التزمنا بهذا الدرس سوف نغير أنفسنا للأفضل ونغير أشياء كثيرة من حولنا.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف