الجمهورية
بسيونى الحلوانى
لوجه الله .. لماذا رفض هؤلاء منصب الوزير؟
قال رئيس الوزراء المهندس شريف إسماعيل إنه عرض منصب الوزير علي 50 شخصية مصرية في مختلف التخصصات واعتذر منهم 16 شخصاً واضطر إلي الاختيار من بين 34 مرشحاً ليجري التعديل الوزاري الأخير.
وبالتأكيد ما واجهه رئيس الوزراء في هذا التعديل الوزاري واجه مثله في التعديل الوزاري السابق وفي تشكيل الحكومة الذي كلف به منذ أكثر من عام ونصف العام.. كما اشتكي المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء السابق من اعتذار شخصيات كثيرة تحمل رصيداً هائلاً من العلم والخبرة عن منصب الوزير.
السؤال المهم هنا: لماذا يعتذر الأكفاء عن تولي منصب الوزير في مصر رغم أن المنصب رفيع ومغر وله بريقه ويتطلع إليه كثيرون؟
في الواقع الإجابة عن هذا السؤال تفرض علينا أن نكون موضوعيين ومنصفين إذا كنا نتطلع إلي وجود مسئولين في مختلف الوزارات علي قدر كبير من الكفاءة والخبرة والنزاهة والحماس للعطاء الوطني.
لابد أن نعترف في شجاعة بأن المناصب القيادية في مصر لم تعد تضيف شيئاً لأصحابها.. لا أدبياً ولا مهنياً ولا حتي مادياً بل أصبحت تجلب المساءلة والاتهامات العشوائية وأحيانا الإهانة في وسائل إعلام لا تقدر الظروف التي يعمل فيها الوزير وفي مناخ إعلامي تسوده الفوضي وعدم المسئولية من الصعب أن يعمل شخص كفء في منصب يعلم مسبقاً أنه سيجلب له الإهانة ويتسبب في ضياع قيمته وإهدار بريقه في الأوساط التي تقدره وتحترمه.
¼ ¼ ¼
سألت أحد الشخصيات التي رفضت منصب الوزير: كيف ترفض منصباً رفيعاً مثل هذا؟ قال دون تردد: أنا حزين بالتأكيد لعدم تلبية النداء لكنك تدرك أن مناخ العمل العام في مصر خاصة بعد ثورة يناير لم يعد جاذباً ولا مغرياً ولا يوفر أجواء كريمة لمن يتولي المسئولية ويسعي لخدمة بلده.
كلام الرجل صحيح بالتأكيد إلي حد كبير فكم من أشخاص كانوا ملء السمع والبصر ويحظون بالاحترام والتقدير قبل تولي الوزارة فلما تولوها خرجوا منها بعد أن فقدوا كثيراً من أسهمهم لدي الناس ربما بسبب الانفلات الإعلامي الذي أعطي لبعض الباحثين عن شو إعلامي أو سياسي حق التطاول والتجريح دون رقيب أو حسيب.. وربما لأنهم لم يوفقوا فعلاً في العمل الوزاري ولم يكن لهم عطاء يضاف إليهم.
كان رئيس الوزراء الأسبق عصام شرف محط أنظار شباب ثورة يناير ومحل ثقة كثير من السياسيين في مصر وهلل لاختياره الكثيرون خاصة الشباب الذي يرفع شعارات ثورية.. وترأس شرف أول حكومة بعد الثورة وحمله شبابها علي الاعناق وأجبروه علي أن يؤدي القسم في ميدان التحرير واجتهد شرف وأخطأ مثل كل البشر لكنه في النهاية خرج من رئاسة الحكومة مطروداً.. والذين هتفوا باسمه وطالبوا به هم الذين تظاهروا للمطالبة برحيله حتي أجبروه علي الرحيل بعد احتجاجات ومظاهرات حاشدة في ميدان التحرير ومحاصرة غير مقبولة لمجلس الوزراء.. وخرج شرف من السلطة كئيباً نادماً بعد أن دخلها سعيداً مبتهجاً.. وكثير من خبراء الاقتصاد يحملونه مسئولية إهدار الاحتياطي النقدي الأجنبي بسبب استجابته للاحتجاجات الفئوية وتفضيله قيادة حكومة ضعيفة تنتهج سياسة "الطبطبة".
ذهب عصام شرف وجاء كمال الجنزوري ورحب حكماء السياسة وخبراء الاقتصاد بتولي شخصية اقتصادية لديها خبرة وسمعة طيبة مثل الجنزوري مسئولية الحكومة بصلاحية رئيس دولة خاصة في ظل ظروف اقتصادية وأمنية حرجة. ونجح الرجل في انقاذ اقتصاد البلاد من الانهيار وقام بإطفاء حرائق كثيرة أشعلها الفوضويون في كل محافظات مصر باسم الثورة استغلوا فيها شعارات كاذبة وظل الجنزوري صابراً صامداً يتحمل الاهانات والسفاهات من شباب طائش وفوضوي ومن أشخاص يكرهون الوطن حتي جاءته الفرصة ليرحل مع تسلم الرئيس الفاشل محمد مرسي مسئولية البلاد.
أيضا واجه حازم الببلاوي صعوبة كبيرة في تشكيل أول حكومة بعد ثورة 30 يونيه وفي النهاية استطاع أن يحشد لوزارته أسماء شخصيات مصرية لا غبار عليها خاصة في ظل رفض العديد من الكفاءات الوطنية لتحمل مسئولية العمل العام في ظل تواصل وتصاعد الاسفاف الشعبي والإعلامي ضد كل من يتولي منصباً عاماً وعملت حكومة الببلاوي في ظل ظروف بالغة السوء والقسوة وحققت انجازات ولاحقتها اخفاقات لكنها تحملت مسئولية البلاد في ظروف صعبة واجتهدت وأخطأت وصبرت حتي مرت المرحلة الحرجة التي عاشها الوطن وفي النهاية ترك الببلاوي المنصب وهو يحمل مشاعر غضب وكراهية لكل المناصب القيادية في مصر وعبر عن ذلك في تصريحات ولقاءات عديدة.
¼ ¼ ¼
لكن في مقابل هؤلاء الأكفاء الذين نتحدث عنهم لابد أن نعترف أيضا بأننا ابتلينا خلال السنوات الأخيرة بعشرات من الشخصيات التي تولت وزارات وهي غير مؤهلة لقيادتها وإضافة جديدة إلي العمل العام وكان طبيعياً أن تتعرض هذه الشخصيات إلي انتقادات وسائل الإعلام وإلي سخط وغضب الجماهير التي تتطلع إلي قيادات لديها القدرة علي العطاء ولا تكون مجرد "موظفين تقليديين" يجلسون علي كراسي الوزير ويخرجون وهم يحملون لقب "وزير سابق" دون أن يقدموا شيئاً للوطن.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف