الجمهورية
المستشار محمد محمد خليل
خواطر مصري .. عقل المسلم
من المبكيات ان بعض المسلمين شغلوا عقولهم وعقول غيرهم بمسألة الجبر والاختيار وتفسير آيات مثل "يد الله فومد ايديهم" واستوي علي العرش وغيرها من الصفات التي وصف بها رب العزة سبحانه وتعالي نفسه غافلين ان الاسلام إنما بعث الله به رسوله محمد صلي الله عليه وسلم لاعمار هذا الكون وبنائه ولرفع قيمة الانسان الذي وهب الله العقل والتفكير والتدبير: قال تعالي "ان في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب" وقال تعالي: "إنما يتذكر أولو الألباب" مشيرا إلي أن اصحاب العقل هم الذين يفهمون رسالة الوجود ويفقهون أسرار الكون.
لم ينتبه أحد من هؤلاء إلي عظمة حديث سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم "تفكروا في آلاء الله ومخلوقاته ولا تتفكروا في ذاته".
ان المسلمين الأوائل علي عهد رسول الأمة ومنقذها كانوا لا يتواكلون ولا يتساءلون عن اشياء بتجد لهم "تسؤهم عملا" بتوجيه القرآن الكريم. إنما أخذوا بالأسباب وعملوا بتفكير وتعقل. لم يدخلوا حربا إلا وكانت الهمم والنشاط سابقا عليها وجاهزين لها وحين تنتهي الحرب يعودون إلي الجهاد الأكبر وهو جهاد الحياة لتعميرها وجهاد النفس لتطهيرها. من ثم فإن الجهاد الاصيل هو معترك الحياة للتعمير والنهوض بها لذلك تقدم المسلمون وخفقوا السبق في الحضارة الانسانية إلي أن انشغل علماؤهم بالحديث عن القضاء والقدر وصفات الله: هل له يد كيدنا ووجه كوجهنا والملائكة أناث أم ذكور وهكذا إلي آخر التساؤلات التي لا تنقص الإيمان ولا تزيده وتحدث بلبلة في النفوس وتراجعت حضارة المسلمين وتأخروا وتقدم غيرهم ونهضوا عندما ثاروا علي هذا الفكر في حياتهم وبدلا من ان يتفكروا في السموات والأرض والزرع والحياة ويبحثوا في علوم الكيمياء والفيزياء ويشرعوا لنهضة الإنسان عقليل وعلميا ورقيا ذهبوا يكفرون بعضهم البعض ولاسيما بعض السلفيين وبعض المتصوفة.
الاسلام خاطب عقل الإنسان حيث كان وثبت قيمته وفك عنه القيود ورد إليه اغنياءه والقرآن الكريم هو معجزة الاسلام يخاطب اصحاب العقول وحدهم لأنهم هم الذين يستطيعون فهم مقاصده ومعانيه.
لم تكن معجزات الاسلام بادية مثل الرسالات السابقة لكونها الرسالة الخالدة التي ارادها الله للبشر وهي الخاتمة تقيم الحياة وتبني الانسان علي يد سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم الذي حقق في شخصه وفي آثاره أغلي ما تنشده الإنسانية من مثل وجعل التقوي مقرها القلب الطاهر الذكي ولا يعني عنها قشور العبادات وهذا ما جعل الإمام محمد الغزالي يثور حين سمع سائلا يسأل هل الإنسان مسير أم مخير فنظر إليه في ضيق شديد وقرر ان يلتوي معه في الاجابة كما التوي هو مع فطرته بهذا التساؤل وقال له: الإنسان نوعان نوع يعيش في الشرق ونوع يعيش في الغرب فالأول مسير والآخر مخير فغفر السائل فاه عن ابتسامة هي بالضبط نصف تثاؤب الكسالي والعجزة والثرثارين وقال: ما هذا الكلام؟ انني اسألك هل للانسان إرادة حرة وقدرة مستقلة يفعل بهما ما يفعل وينزل ما يترك أم هو مجبور؟ فقال الإمام قد اجبتك الإنسان في الغرب مستقل والشرق مستعمر.. هناك له الإرادة والقدرة وهنا لا شيء له.
لا أجد خيرا من كلام الإمام الغزالي اختم به هذا المقال الرجب في الغرب ألقي به في تيار الحياة فعلم ان له أعضاء يستطيع ان يعوم بها فظل يسبح مع التيار تارة وضده تارة أخري حتي وصل إلي الشاطيء.
اعمل ايها الرجل ولا تقل هل أنا مسير أم مخير واستغل المواهب التي اتاك الله واشعار ان لك في الحياة حقوقا وعليك في الحياة واجبات وكفي كذبا علي الدين والدنيا.
هل نجد كلاما أجمل من هذا وأوضح يدفع الإنسان لخوض معارك الحياة الحقيقية وبناء الوطن في ظل الاسلام.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف