الجمهورية
سهير ابو العلا
رأي حر
قرأت مؤخراً كتاباً يحاول أن يخرجك من نصوص حياتك اليومية التي اعتدت عليها في جميع مراحلك والتي لا يخرج أغلبية الناس عن هذه النصوص منذ بداية التربية في سنوات الطفولة الأولي وكلها نصوص مكررة مثل "اسمع الكلام.. وما تعليش صوتك.. ولا تقول.. لأ" ثم نص ضرورة التفوق في الدراسة وذاكر واحفظ ثم يتلوها باقي النصوص التي يفرضها عليك المجتمع في كتاب "الخروج عن النص" والذي كتبه د. محمد طه وهو مدرس الطب النفسي بكلية طب جامعة المنيا.. والذي يؤكد داخل هذا الكتاب أنه ليس من حق أي فرد أن يقترب من حدودك النفسية ولا يقتحمك أو يستحوذ عليك تحت أي مسمي.
كتاب رائع يغوص داخل نفسك لكي يخرج ما فيها من نواقص واكتئاب وقلق ويصلح التشوهات التي أصابتها نتيجة أساليب التربية.. ويحاول أن يخرجك عن النصوص المألوفة.. ويكسر القوالب التي وضعها حولنا المحيطون بنا.. واستخدم الأسلوب العامي في بعض الأحيان لكي تصل أفكاره إلي جميع المستويات.. ويقول مثلاً: إن الطفل اللي صوته واطي ويمشي يبص في الأرض واللي بيقولوا عليه مؤدب وبيسمع الكلام ومايقولش "لأ".. دفن طفولته الحقيقية وتلقائيتها وحريتها وقدرتها علي الاعتراض والمواجهة وأخذ الحق.. ووضع مكانها كائناً مستسلماً مسالماً.. وبهذا يشوه الطفل نفسه لحساب الآخرين. فلا يكون نفسه ولكن يكون النفس التي يطلبها منه المحيطون به.
ويتناول الكتاب الأسلوب العقيم في التعامل بدءاً من بيوتنا بطريقة تربيتها التي تشجع الطفل الهادي المسالم اللي بيسمع الكلام ولا يقول "لأ" حتي يرضي أمه وأباه.. ومدارسنا الجميلة وتعليمنا الإبداعي يحب الطالب الصامت الذي يذاكر الكتاب المقرر ويحل نماذج الامتحانات ويضع ما لديه من معلومات في ورقة الإجابة.. ويغرق في شبر ميه لو جاء سؤال من خارج المنهج.. ثم نظرة المجتمع للرجولة. الرجل يعني صوت عالي. يعني لا يبكي.. رجل يعني نظرة قاسية يعني عنف وعضلات. وست يعني صوت واطي وبص في الأرض وطاعة عمياء وخنوع واستسلام ورضا بالقليل.. وقلة حيلة.
ولأنه طبيب نفسي فقد وضع داخل هذا الكتاب علاجاً لكي تعود النفس الحقيقية للحياة.. وتكون إنساناً حقيقياً كاملاً بدون تشويه.. يجب أن تبحث عن علاقة إنسانية حقيقية تصلك فيها رسائل عكس كل الرسائل المشوهة التي وصلت أثناء التربية والتعليم.. علاقة يصلك فيها حب غير مشروط ثابت لا يتغير بتغير حالاتك.. علاقة يصلك فيها أنك مقبول كلك علي بعضك بضعفك احياناً بعجزك وفشلك بعض الوقت.. حتي مع عدم الموافقة علي بعض تصرفاتك وأفعالك.. علاقة تحس فيها أنك موجود وتستاهل.. علاقة تكون فيها نفسك وفيها مساحة للحرية.. ممكن تكون علاقة صداقة.
ويركز الكتاب علي أنه ليس من حق أي فرد أن يرسم لك طريق حياتك ولا أي فرد يملي عليك اراءه وتجاربه الخاصة باعتبارها نصوصاً مقدسة وليس من حق أي فرد أن يحدد لك اختياراتك ولا يأخذ قرارات نيابة عنك ولا تري بعينيه وتسمع باذنه.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف