عبد الرحمن فهمى
ذكريات .. لماذا كانوا.. ولماذا نحن؟!!
كان يجب أن ينقل التليفزيون علي الهواء مباشرة جلسة مجلس النواب الخاصة بالموافقة علي التعديل الوزاري.. كان يجب بعد بيان رئيس المجلس الدكتور علي عبدالعال ثم بيان الدكتور شريف إسماعيل رئيس الوزراء.. كان يجب أن يتحدث كل وزير جديد عن مشروعاته الجديدة.. وياريت يكون حديث الوزير الجديد من القلب غير مفيد بالفصحي ولا بالنحو.. حديث عائلي.. المسئول يتحدث مع ممثلي الشعب بالذي حدث.
قالوا لي: مجلس الوزراء علي التليفون!!.. آلو.. نعم.. نحن في انتظارك الساعة كذا يوم كذا في مبني هيئة الاستثمار في شارع صلاح سالم.. ذهبت وأنا غير متأكد أن الموضوع يخص التعديل الوزاري!!.. لم أفكر يوماً أن أكون وزيراً.. "مثلاً مثلاً".. وكان مفاجأة لي "مثلاً".. قال لي.. وقلت لرئيس الوزراء.. الحقيقة أن الموضوع يحتاج لتفكير.. لا يمكن أن أقول شكراً علي الثقة.. سيادة الرئيس موافق بشدة.. لا يمكن أن أقول ذلك.. طلبت يومين أفكر وأسأل وأحلم ثم أعيش الواقع.. و... و...
سرحت وكتبت "حواراً" وليس مقالاً.. وكأنها تمثيلية!!.. ولكن كان يجب هذا.. كل وزير يقول أفكاره إذا كانت له أفكار.. أو يتحدث بصراحة:
يا جماعة كانت مفاجأة.. واحتاج أن "ألملم نفسي" وأبداً أغير تفكيري و"أحبه" علي المهمة الجديدة الخطيرة.. الوزارة هي أخطر منصب وأخطر مسئولية وأخطر مركز يحتاج لعمل 24 ساعة.. لأنه مركز يحتاج لتفكير مستمر.. تفكير وأنت تأكل وأنت نائم وأنت في الطريق وأنت في الحمام 24 ساعة!! مثل أي فنان أو كاتب أو مسئول عنده ضمير.. وأتعهد لكم بكذا وكذا وكذا.. سأعمله!
علي فكرة..
كانت هناك حكاية قديمة.. بعض رجال الأعمال الكبار القدامي وأيضاً بعض كبار المسئولين بل والوزراء يختارون بعض المفكرين والخبراء والمثقفين كأصدقاء حميمين قريبين جداً لهم.. وبدون أي مكاتب أو مناصب أو تعيينات.. مجرد صداقة وحب وأخوة.. يتقابلون من آن لآخر وأحياناً يسافرون معهم إلي أوروبا علي باخرة من بواخر عبود باشا.. هؤلاء الأصدقاء العباقرة هم خير من أي مجلس استشاري معين له مرتبات يشعرون بأنهم موظفون وليسوا أصدقاء.. كان أنطون الجميل باشا ثاني خير رئيس تحرير لجريدة الأهرام كان يؤمن بهذا الأسلوب في العمل الذي سبقه إلي هذا الأسلوب طلعت حرب باشا وأحمد فرغلي باشا ومحمود أبوالفتح وسيد يس وغيرهم..
كانت غرفة أنطون الجميل باشا بالأهرام القديم في شارع مظلوم كانت قهوة أو كافيه أو كافتيريا!! وكان أصدقاؤه من كبار القوم وأصدقاء الملك فؤاد ثم الملك فاروق يجلسون في أوقات فراغهم في حجرة الجميل باشا ويطلبون من البوفيه ويدفعون الحساب!! قالوا لأنطون الجميل: هل أنت بخيل لهذه الدرجة؟! فكان يقول: بل منتهي الكرم.. أتركهم يدفعون القروش ليشعروا أنهم في مكتبهم ليسوا ضيوفاً علي أحد.
كان أمير الشعراء الموهوب أحمد شوقي يصطحب معه محمد عبدالوهاب في رحلته البحرية إلي أوروبا.. ليغني عبدالوهاب علي عوده علي سطح الباخرة ويخاطب نجوم الليل!!
كانت الدنيا دنيا ولا تسألني لماذا كان الزمن القديم مليئاً بالعباقرة في كل مجال؟!.. لأننا كنا قريبين من السماء بكل ما فيها من شفافية وأخلاقيات بعيداً عن الأرض بكل ما فيها من طمع وجشع وجرائم من كل نوع.