المساء
عزة يحيى
الاستثمار في البشر
لا يختلف احد عن ان النجاح والتقدم الحقيقي لأي دولة في العالم أساسه وقوامه العنصر البشري فلا تنمية ولا تعمير ولا نهضة أو انطلاق دون الارتقاء الواعي بالمنظومة البشرية القادرة علي تحقيق أي تقدم وتطور في سائر المجالات لذلك نجد أن الدول المتقدمة تنفق من 2 إلي 3% من اجمالي موازنتها العامة علي البحث و التطوير.
بنظره سريعة لكل تجارب الدول التي حققت طفرات عالمية نجد أن اليابان بعد أن دمرتها الحرب العالمية استطاعت ان تقف من جديد وتتجاوز محنتها اعتمادا علي العنصر البشري بواسطة التعليم والتدريب المستمر المانيا تفوقت وتقدمت بالبشر كذلك ماليزيا والصين دول أرادت ان تكون رقما في المعادلة الدولية فكان لها ذلك.
والسؤال الذي يفرض نفسه في اللحظة الراهنة أين نحن من كل ما يحدث حولنا؟ هل نريد أن نتحرك للأمام ونخطو خطوات واثقة لنلحق بالدول التي سبقتنا أم لا؟ الواقع الذي نعيشه فيه دلالات وشواهد علي اننا مازلنا ندور في دائرة مفرغة نتخبط في سياسات الارتقاء بالتعليم ندوات ومؤتمرات ومشاركات اقليمية ودولية ويبقي الحال كما هو عليه وكل ما أخذناه منها هو التشدق والتغني بكل الشعارات التي تقود إلي التطوير المنشود دون ترجمة وعمل حقيقي علي أرض الواقع.
وحال مدارسنا حتي الخاصة منها لا يسر مجرد مشروعات تجارية تستنزف جيوب الأسر فالهدف هو المكسب وجني الأرباح أما تنمية العقول واستعادة الفكر فليس علي اجندة العمل والأبشع ان هناك مدارس تزور شهادات طلابها من أجل حفنة أموال ناهيك عن حالة الجشع التي انتابت البعض بفرض زيادة في المصروفات دون اية خدمات تعليمية فالكل نسي أو تناسي ان التعليم من أهم الخدمات التي تقدمها الدول لشعوبها في العالم اجمع والصورة في مدارسنا الحكومية ليست افضل حالا كلنا يعلم طبيعة ما يدور من تدهور قيمي واخلاقي وتعليمي ومحاولات لتغييب الوعي والعقل والفكر ووسط كل هذا العبث عشقنا ترديد عبارات تتحدث عن التمييز والتطوير والتجديد ومن قبلها الريادة ونحن نفتقر الأدوات والإرادة والإدارة الرشيدة التي تمكننا من تحقيق الطموحات حتي الشعارات التي يرددها المسئولون شعارات وليده أنفعال وتحت وطأة الاحساس بالضغط مجرد كلمات لتسكين الأوجاع وليست للعلاج.
حقيقة أن الفساد ليس مجرد جرائم رشوة وسرقة ونهب المال العام ولكن الفساد الأخطر هو تغييب العقول وقتل الإبداع وطمس الهوية حتي نتراجع ونتقهقر بخطوات سريعة للخلف وبدلا من الأرتقاء بالثروة البشرية وتوظيف امكاناتها وطاقاتها نحو التنمية والبناء عشنا عصر الانحطاط الفكري والأخلاقي والثقافي وتاه الرقي في دروب العشوائية التي تركناها تنمو وتصبح سمه حياة وسط كل هذا اجدني اتوقف امام الشعار الذي اطلقته دبي مع فعاليات القمة العالمية للحكومات استئناف الحضارة العربية والشيخ محمد بن راشد حاكم دبي يؤكد أن الدول لا تقاس بامكاناتها دائما ولكن بطريقة الإدارة الحكيمة لمواردها البشرية والمالية.
بالفعل في الزمن الماضي كنا صناع حضارة صدرناها للعالم عشنا سنوات وقروناً نتحدث ونفتخر بما حققته حضارتنا ولكن رويدا.. رويدا سحب الغرب بساط الفكر والعلم والثقافة والنور من تحت أقدامنا فهل نحن قادرون علي استعادة مكانتنا وتجاوز الفجوة بين الأقوال والأفعال.
الواقع يؤكد اننا لن نخرج من التحديات الجمة ولن ننطلق نحو استعادة الحضارة إلا بالعلم والتعليم.
نريد بنية أساسية قوية ضد الانكسار قوامها التعليم والتنوير والثقافة ولابد من سياسات تعمل في اتجاه بناء قدرات البشر فمن العيب ان حكوماتنا لا تجد قيادات كفء لتولي المناصب الوزارية.
فليكن شعارنا الحقيقي هو اهتمامنا بالاستثمار في البشر قبل الاستثمار في الحجر.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف