محظوظ في هذه الدنيا من يحصل علي فرصة ثانية في منصبه بعد أن يكون قد استوفي فرصته الأولي أو كاد وأيقن انه مغادر لا محالة.. فقد تتيح له الفرصة الثانية ان يقيم اداءه تقييما موضوعيا بعيدا عن نفاق المنافقين وان يصحح أخطاءه ويعالج جوانب القصور التي ظهرت في مسيرته الأولي.
وقد أعطي التعديل الوزاري الأخير فرصة ثانية لعدد من الوزراء كانوا علي يقين بأنهم أول المرشحين للخروج من المنصب الوزاري.. وهؤلاء هم الذين يجب عليهم أن ينتهزوا هذه الفرصة التي اتيحت لهم بالبقاء في الوزارة.. ويكرسوا جهدهم لاصلاح ما أفسدوه أو أهملوه.. وتلبية احتياجات الناس منهم.. فربما لا تتكرر الفرصة ولا تكون هناك فرصة ثالثة.
صحيح اننا لا نعرف ما دار في كواليس الولادة المتعثرة لهذا التعديل الوزاري العجيب.. لا نعرف لماذا خرج الوزراء الذين خرجوا ولا لماذا بقي الوزراء الذين بقوا.. وبرلماننا الموقر لا يعرف هو الآخر.. فقد قدمت له قائمة اسماء الوزراء المعدلين.. وطلب منه أن يوافق فوافق.
وعندما خرجت بعض أصوات تعترض علي اسماء معينة لم يسمح لها بالتوسع في الكلام.. واغلقت دونها الآذان.. فقد كان المطلوب انهاء المهمة علي وجه السرعة والحصول علي موافقة المجلس دفعة واحدة.. وقد حاول بعض الاعضاء من ائتلاف ¢دعم مصر¢ تهدئة تيار الاندفاع نحو الموافقة لكنهم فشلوا.. وحاول الآخ مصطفي بكري أن يلعب دور المعارض ويطلب استبعاد وزير الزراعة الجديد بدعوي ان ¢عليه علامات استفهام كثيرة¢ لكن لم يسمع له أحد.
وأخيرا تم تغطية المشهد باعلان بعض النواب أنهم ¢يوافقون علي الاسماء لكنهم يختلفون علي الرؤي.. والشعب تعبان ولابد من الخروج من المأزق.. وعايزين نشوف نتيجة خلال 6 شهور أو سنة.. وافقنا عليكم لكن حنراقبكم وممكن نسحب منكم الثقة¢.. وهي شعارات مستهلكة - كما تري - تتكرر في مثل هذه المناسبة وفي الحقيقة لا تعني شيئا.. فقد ارتكبت الحكومة العديد من الكوارث ووقف المجلس الهمام يتفرج دون أن يحرك ساكنا.
وفي هذا التعديل هناك وزراء كانوا في حكم الخارجين المغادرين.. ترددت اسماؤهم بقوة.. لكن الله كتب لهم البقاء ومنحهم فرصة ثانية ليضعهم - ربما - في اختبار جديد ليري هل يصلحون من أنفسهم أم يستمرون علي حالهم.. وهؤلاء هم الذين نتوجه اليهم بالرجاء كي يرتقوا بأدائهم بما يرضي الشعب ويرضي الله.
ألا يعرف وزير الصحة أنه كان خارجا في التعديل خروجا مؤكدا.. لكنه حصل علي الفرصة الثانية بإرادة الله وحده.. ولذلك يجب عليه أن يمنع ظاهرة موت الفقراء والفقيرات علي أبواب المستشفيات.. وان يحتشد لتطوير مستشفيات التكامل والمستشفيات المركزية ¢الحكومية¢ بدلا من أن يجتهد لبيعها أو تشغيلها بأجر.. ويبذل أقصي جهده لتطوير التأمين الصحي رحمة بالمصريين.
ويعرف وزير الأوقاف ان اسمه كان يتردد بشدة للخروج في التعديل.. ولذلك يجب أن ينتهز الفرصة الثانية ليتراجع عن ¢افتكاساته¢ المتمثلة في الخطبة المكتوبة لعامين أو خمسة أعوام.. وأن يركز في الاهتمام بالمساجد وحسن اختيار الخطباء والمؤذنين حتي تكون المساجد في أبهي صورة.. وينفق عليها من أموال الوقف وهي كثيرة جدا.. ولا ينتظر تبرعات المصلين ليدفع منها فواتير الكهرباء والمياه.. وأن يهتم بالدعوة بنفس القدر الذي يهتم به بالسياسة.
وزير الري أيضا كان مرشحا للخروج لكنه حصل علي فرصة ثانية ويجب عليه أن ينتهزها ليعطي اهتماما أكبر للنيل وشبكة الري وكارثة سد النهضة.. هو يعرف جيدا أن مياه الري لم تعد تصل إلي نهايات الترع وشبكة الري مدمرة وتحتاج أن يركز في اصلاحها.. ولا ينشغل بمهام غيره.. فيترك أمور الزراعة وقمح التبريد وغير ذلك.. فمهمته الري وليس الزراعة.
عندي كلام كثير من هذا القبيل لوزراء الاسكان والثقافة والمالية.. ولرئيس الوزراء ايضا.. لكني أذهب مباشرة لضيق المساحة إلي د. علي مصيلحي وزير التموين القديم الجديد.. فقد حصل هو الآخر علي فرصة ثانية.. وأقول له بكل ترحاب: ¢ياريتنا نرجع زي زمان¢.