فيتو
أبو الفتوح قلقيلة
من فقره وافتله
رغم أن الظروف الإقليمية تنبئ بكوارث مهلكة إن سارت الأمور كما ترتب لها أمريكا برئاسة الموتور ترامب مع إسرائيل ضد إيران، ومحاولة توريط مصر في حلف يضم أسماء أربع دول هي (السعودية والأردن والإمارات بجوارها)، فإنه فعليًا يعتمد على دولة واحدة تملك جيشا منظما قويا وهى مصر بالطبع، إلا أن كل ذلك لا يجد له مردودا قويا عند المواطن العادى الذي توقف عند حدود مشكلاته اليومية العصية على الحل من قبل الحكومة ونظامها وهذا مكمن الخطورة على الوطن.

فلقد لفت انتباهى كما لفت انتباه البعض بالطبع، ما قامت به حكومة شريف إسماعيل من زيادة رواتب العاملين بالتأمين الصحى بنسب كبيرة نوعا ما قياسا لبقية موظفى الدولة ممن يعملون في جهازها الإدارى، الخطوة كانت ستبدو محمودة ومقنعة ومنطقية إن كانت من منطلق تحقيق العدالة بين كل موظفى الدولة ومساواة الأجور أو على أضعف الإيمان محاولة تقريبها حتى ينضبط الميزان التجاري للمواطنين وتتقارب القوة الشرائية، لكن ذلك لم يحدث ولن يحدث لسببين، أولهما أن الدولة غير مقتنعة بالعدالة في الأجور وهذا يظهر في التفاوت الضخم والفلكى بين أجور من يعملون مثلا في قطاعات الشركات القابضة من بترول وكهرباء ومياه والبنوك من ناحية وبين موظفى الوزارات الخدمة كالتعليم والشئون الاجتماعية والحكم المحلى من ناحية أخرى، ناهيك عن رواتب السادة أصحاب المراكز السيادية كالقضاء والشرطة وغيرها والتي عادة تكون وجبة النميمة المفضلة للفقراء والمحرومين من موظفى الدولة!

ثانى تلك الأسباب أن الحكومة قامت بإقرار تلك الزيادة بعدما قررت مضاعفة الاستقطاعات من اشتراكات الطلاب في مصر وهم عدد مهول، فقامت بزيادة الاشتراك من 4 جنيهات إلى 12 مرة واحدة مما وفر مليارات قامت بتوزيع بعضها على العاملين في مؤسسة التأمين الصحى، أي أن الحكومة طبقت المثل الشعبى: من دقنه وافتله أو بالأحرى من فقره وافتله لأن أغلب من في مدارس الحكومة هم فقراء أبناء فقراء لا يستطيعون الخوض في التعليم الخاص بمستوياته المختلفة وصولا للمدارس الدولية التي تحصل مصروفاتها الخيالية بالدولار!

خطورة تلك الخطوة أنها أولا زادت الحقد الطبقى حتى بين العاملين في وزارة الصحة في المستشفيات العامة، فلقد قارنوا بين كادرهم الذي تم إقراره ولم يصل لتلك النسبة من الزيادة لمن يعملون بالتأمين الصحى المحظوظ، بل إن الحقد مس العاملين في التأمين أنفسهم خاصة الإداريين الذين طالبوا في وقفة احتجاجية بحقهم في هذه الزيادة مثل هيئة التمريض والأطباء والفنيين وهو حقهم بالفعل، أما عن الحقد الذي أصاب من يعمل خارج منظومة الصحة فحدث ولا حرج ولا مفر منه مادامت العدالة فئوية وتمس من يستطيع جمع أموال من غيره فقط !

الأخطر من ذلك هو اقتراب تلك الخطوة من التعليم الحكومى العام في مصر والذي جاء إلى وزارته وزير محترم عبر كثيرا في أوقات سابقة عن عدم اقتناعه بالتعليم المجاني! فهل تكون تلك الخطوة التي تمت في التأمين الصحى مقدمة لخطوات مماثلة في التعليم، أي بمعنى أدق: هل سيتم خصخصة التعليم؟ مع الإقرار بأن المعلم المصرى ينال أقل راتب في الدولة ويحتاج لرفع مستواه المادى ومنحه ما يستحق من تقدير مادى ومعنوى غيبته الدولة عنه منذ عقود، لكن ذلك إن تأتى بخصخصة التعليم فستكون كارثة بحق ومقدمة لكوارث أخرى لا يعلم مداها إلا الله.. ربنا يستر.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف