لعلي أدين لعمودي اليومي "ع البحري" بفضل توثق علاقتي بالعالم الذي أعيش فيه. لا يقتصر علي مشكلاتي الشخصية. بل يتجاوزها إلي مشكلات الآخرين. ليس علي المستوي المحلي وحده. وإنما علي كل المستويات في كل العالم.
القضية الأهم - في توالي الكتابات - ما يعانيه الشعب العربي في فلسطين المحتلة. تليها أو توازيها قضايا ومشكلات ترسم - بإيجابياتها وسلبياتها - مشهد عالمنا المعاصر. اقرأ واتأمل وأكتب. عادتي التي ألزمت بها نفسي. وألفتها. يثيرني شيوع التواكلية والاعتذارية واللا إنتماء. قضايا الانفصال الحاد بين الشعب العربي والأنظمة التي تحكمه. زيادة اعداد الجاليات الوافدة في أقطار الخليج بما يهدد مستقبله. الطبعات الجديدة من اتفاق سايكس بيكو لابتلاع الوطن العربي. النهب الغربي لثروات افريقيا. الأوضاع القاسية في دول القارة تحت سطوة حكام صنع الاستعمار غالبيتهم. بديلاً للزعامات المضيئة الغائبة: جمال عبدالناصر وبن بركة وجومو كينياتا ولومومبا وبن بيلا وبومدين ونكروما وسيكوتوري وموديبو كيتا ومانديلا. المأساة الدامية لأقلية الروهينجا في بلد أونج سان سو تشي الحاصلة علي جائزة نوبل للسلام. ثورات الحديقة الخلفية لواشنطن. ممثلة في كوبا وتشيلي وفنزويلا وبوليفيا ونيكاراجوا والسلفادور وكولومبيا وغيرها. تحول صورة تشي جيفارا إلي أيقونة للمد الشعبي المتعاظم في المظاهرات التي تشهدها مدن العالم.
لو أن إقامتي ظلت داخل مكتبتي. لا تغادرها إلا للتردد علي الأطباء. أو للجلوس إلي أصدقاء كوستا شارع الجامعة العربية. أو للتحدث في ملتقيات ثقافية داخل القاهرة وخارجها.. لو ان اقامتي ظلت حبيسة جدران المكتبة. فسأظل مثل السلحفاة. أكتفي بمجرد العيش داخل الصدفة التي تحتويني.
في روايتي "حكايات الفصول الأربعة" واجه رفعت القباني مشكلة تعذر النزول من شقته في الطابق العلوي إلي الطريق. خشي ان يظل المصعد معطلاً. فلا يستطيع الصعود. دفعني إلي كتابتها موقف مماثل صادفه المخرج صلاح أبوسيف. المشكلة نفسها هي التي أواجهها. أعانيها. وإن اختلفت الأسباب والنتائج. الخشية من بقاء المصعد معطلاً. ألزمت رفعت القباني عدم النزول. لما طال الوقت في وحدته داخل الشقة. تذكر نصيحة قديمة بأن يكتب مذكراته. وخلا إلي الأوراق والقلم "يكتب ويكتب ويكتب". هذه هي الكلمات التي انتهت بها الرواية.
تختلف وحدتي في صعوبة الحركة. النزول معاناة. والصعود معاناة. ومحاولة الحركة في البيت. وفي الطريق. قاسية. تختلف النتائج في اقتصار المتاح من حياتي علي القراءة والتأمل والكتابة. هذه مهنتي. أحيا فيها وبها. المرض - مهما يكون قاسياً - عارض. لا شأن له بعملية الكتابة. استمرار تقييد الحركة هو مشكلتي الآتية. تقتل وقتي. تحرمني حتي من مجرد التفكير. فهو يكاد يقتصر علي ما يتصل بمعاناة المرض.
هل أطير إلي الأمل في وصل العظام المفككة؟ هل يتاح لي القعود والوقوف والسير دون صراخ الألم. ومحاولة إسكاته بالأدوية المسكنة والمخدرة؟ هل أعود إلي ما صار طقساً في حياتي. أجلس في ناحية الشباك الأيمن بالمترو أو الباص. يخترف الشوارع. اتأمل - بعفوية - توالي البنايات والشرفات والنوافذ والأشجار والأعمدة واللافتات.. أعود إلي الكتاب في يدي. أواصل القراءة. وكتابة الملاحظات - علي الهوامش - بالقلم الرصاص؟