أحمد رفعت
أمير المؤمنين بين الأزهر والرئيس!
هو من هو لمن يعرفه.. وهو لمن لا يعرف من قال عنه رسول الله، عليه الصلاة والسلام: «لو كان نبياً بعدى لكان عمر»، وهو من قال عنه أيضاً: «إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه»، وهو من أيدته السماء بالقرآن المنزّل والرسول موجود يتلقى الوحى فى مواطن عديدة من أمر أسرى بدر إلى اتخاذ مقام إبراهيم مصلى، ومن ترك الصلاة على عبدالله بن أبى، كبير المنافقين، إلى حجاب أمهات المؤمنين، وهو من حكم فعدل فأمن فنام تحت الشجرة بلا حراسة وبلا حراس، وهو الفاروق الذى فرق بين الحق والباطل، وهو صاحب الهجرة العلنية، وهو عند كل المسلمين سيرة ومسيرة لا يقارن لا بحاكم ولا بعالم دين ولا حتى بكل علماء الدين ولا بكل رجال الأزهر.. والنظر إلى منهجه فى التعامل مع القرآن ومع نصوصه ومع السنة النبوية الشريفة واجب للتعامل وللتأمل، فماذا فعل وآن الأوان لاسترجاعه وللاسترشاد به؟ وما علاقة ذلك بدعوة الرئيس السيسى بتقديم اجتهاد جديد للطلاق الشفهى ورفض الأزهر وهيئة كبار علمائه من ذلك؟ الإجابة فى السطور التالية:
نزلت الآية رقم 60 من سورة التوبة تقول: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِى الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِى سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)، والمصارف الثمانية يفهم الناس بداهة معانيها اللهم إلا «الرقاب والغارمين وابن السبيل والمؤلفة قلوبهم»، وعند الأخيرة يجمع العلماء على تعريفهم، بما فى ذلك تعريف الموسوعة الحرة، بأنهم «قوم دخلوا فى الإسلام من غير أن يرسخ الإيمان فى قرارة نفوسهم، وقد كان لهم تأثير فى مجتمعهم بسبب مكانتهم الاجتماعية، ومن بين هؤلاء أبوسفيان بن حرب ويعلى بن أمية، فقد كان النبى يعطيهم نصيباً من الزكاة من أجل تأليفهم لما لهم من مكانة فى مجتمعهم القرشى»، ونقف الآن أمام النص القرآنى الواضح والصريح المنزّل من السماء وحياً يوحى والذى جرى العمل به والالتزام حرفياً بما جاء فيه حتى وفاة الرسول، عليه الصلاة والسلام، وجزء من خلافة أبى بكر الصديق، حتى أشار عليه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بوقف نصيب هؤلاء ومنعه عنهم ووافقه الصديق على الفور، وسار الأمر كذلك من بعده مع عمر نفسه وباقى الراشدين حتى كبرت الدولة الإسلامية واستتب الأمر!
سيقولون إن عمر لم يوقف نصيب المؤلفة قلوبهم، وسيقولون إنه اجتهد وفهم مقصد النص، وسيقولون إن المسلمين فى عهد أبى بكر لم يكونوا ضعفاء ليدفعوا نصيب المؤلفة قلوبهم، وبالتالى فعرفهم روح النص وليس ظاهره، وكل هذه آراء محترمة مفادها واحد وهو أننا أمام نص واضح وصريح وبعد نزوله بأعوام قليلة لا يخشى صحابى جليل من إعادة فهم النص ومعناه والهدف منه ويتعامل معه معاملة جديدة ويوقفه، ولم يقل أحد إن عمر يوقف نصاً صريحاً فى القرآن ولم يتهمه أحد بتجاوز حدود الله!
ويتولى عمر الخلافة بنفسه وتمتد أطراف الدولة وتتزايد ثروات الكثيرين، ومنهم صحابة كبار لهم شأنهم بين عامة المسلمين وخاصتهم، تضم الدولة الجديدة كثيرين من غير المسلمين ويزداد زواج كبار الصحابة منهم دون المسلمات، فينظر عمر فى الأمر ويقرر منع كبار الصحابة من الزواج من نساء أهل الكتاب رغم أن الآية رقم 5 من سورة المائدة تقول حرفياً: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِى الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِين)، وكان أمير المؤمنين يخشى من أن يقتدى العامة بالصحابة الكبار وهم من رأوا الرسول وبنى الإسلام على تضحياتهم وما قدموه فى نصرته وكانوا قدوة لهم بالفعل، فجاءت مصلحة المجتمع دليلاً لعمر لتفسير النص القرآنى فى حينه بما يتطابق مع مصلحة المجتمع ولم يقل أحد إن عمر يوقف نصاً قرآنياً ولم يتهمه أحد بأنه تجرأ على كتاب الله!
الا أن الأمة التى اتسعت دولتها والمجتمع الذى اتسعت دولته شرقاً وغرباً يتعرض للمحنة ويموت الزرع وينتهى مخزون الحبوب وتتوقف القوافل وتعم المجاعة أرض المسلمين وتتزايد السرقات وينتظر الناس الحكم الشرعى فى اللصوص طبقاً للآية رقم 14 من سورة المائدة، التى يقول فيها رب العزة: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ، فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ، أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَىءٍ قَدِيرٌ)، إلا أن أمير المؤمنين يوقف تطبيق الحد ويستوعب روح الحكم وليس لظاهر النص ويدرك أن الحكم الشرعى يسبقه توفير ولى الأمر احتياجات الناس فإذا لم يتيسر ذلك لأى سبب فلا يجوز تطبيق الحد وكان اجتهاداً مستنيراً متقدماً صار منهاجاً بعده فى فهم الأحكام إلا أن السؤال المنطقى هو: هل فى الآية ما يشير إلى ذلك؟ هل قالت الآية مثلاً أن أوقفوا الحد إذا حدثت المجاعة؟ هل قالت الآية أن أوقفوا الحد إن حدث أى طارئ فى المجتمع؟ أم أن الاجتهاد فهم نصوص كتاب الله تعالى فريضة على ولى الأمر بهدف أول وربما وحيد وهو مصلحة المجتمع؟ هى مصلحة المجتمع التى أدرك أمير المؤمنين أنها هدف أى تشريع وكل تشريع ولذلك لم يتهم أحد عمر وقتها بأنه تجرأ على كتاب الله أو حرم حلالاً أو أحل حراماً، كما نسمع هذه الأيام!
وتزداد الفتوحات وتتوسع وتصل إلى أخصب أراض» العالم فى العراق أو ما سميت بالسواد وينتظر الصحابة وكل المسلمين تطبيق الآية الكريمة رقم 7 من سورة الحشر (مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَىْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّه إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)، وانتظروا أن يفعل عمر كما فعل أبوبكر بتوزيع الفىء، الذى هو غنائم الحرب، وبالتالى توزيع أرض العراق على المقاتلين، بل وكما فعل قبل أبى بكر الرسول، عليه الصلاة والسلام، عندما وزع غنائم خيبر، إلا أن عمر يدرك اللحظة التى يقف عندها وينظر إلى ما بعد عمر وما بعده، ويقول بعد أن قالوا له قسّم، إننا فتحناه عنوة: «فما لمن جاء بعدكم من المسلمين؟»، أى ماذا سنترك لمن بعدنا، ولم يقسّم الأرض وجعلها ملكية عامة للمسلمين ذلك رغم وجود النص القرآنى والآية صريحة وتم الالتزام بها قبله إلا أن مصلحة المسلمين والمجتمع كله يكون هادياً لعمر فى اجتهاده!
المثال السابق لا يتوقف فقط لتوضيح سلطة الحاكم فى توجيه الاقتصاد وفق المصلحة بل بلغ أمير المؤمنين عمر ما لم يبلغه أحد فى التدخل ليس فقط فى النشاط الاقتصادى إلى حدود نزع الملكيات ومصادرة الأموال بل بلغت حدود الحريات الشخصية كما فعل فى منع الصحابة من مغادرة المدينة باعتبارها عاصمة الدولة بل واتخذ قراراً غير مسبوق فحدّ من حرية نصر بن حجاج.. الذى كان مسلماً حسن الإسلام وكان وسيماً جداً جميل الوجه إلا أن أمير المؤمنين بلغه أن إحداهن تقول فيه شعراً هو (هل من سبيل إلى الخمر فأشربها أو هل من سبيل إلى نصر بن حجاج)، فطلب عمر استدعاءه وطالبه بحلق شعره وفعل، إلا أنه بعدها بأيام بلغه شعر جديد فيه حوله إلى أسورة فى المدينة فقلن فيه:
حلقوا رأسه ليكسب قبحاً.. غيرة منهم عليه وشحا
كان صبحا عليه ليل بهيم.. فمحوا ليله وأبقوه صبحا
فوجد أمير المؤمنين أن الرجل يفتن بعض نساء المسلمين فنفاه خارج المدينة!
لم يقل أحد هذا ظلم.. ولم يقل أحد وما ذنب الرجل؟.. ولم يقل أحد إن ابن حجاج حر فى نفسه وفى شكله وفى شعره وفى ملبسه.. لأن ولى الأمر رأى أن المصلحة العامة تعلو ولا يعلى عليها.. لم يمنعه أى انتقاد من أن يرعى مصالح أمته.. ويؤكد لنا بالاجتهاد وبالسيرة والمسيرة حق الحاكم وولى الأمر التدخل لمصلحة الناس بالأجراء الأمثل ولنا فى حق الحاكم بتوجيه الاقتصاد والمجتمع كلة حديث آخر.. إلا أننا نتحدث عن من تحدث عنه الحبيب «إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه»، لم يخش فى الحق لومة لائم، وأدرك أن الله سبحانه سيحاسب ولى الأمر عن قدرته على معالجة مشكلات المجتمع ومخاطره التى تهدد الأسرة والناس، وفيها نجح عمر بحدود للأحكام غير مسبوقة، بينما نجد البعض يتحدث بما لا يعلم والبعض يعلى الخلاف السياسى فوق المصلحة العامة وفوق حكمة النصوص وروحها فى انتهازية لا مثيل لها من نخبة فاسدة لها أيضاً مقال آخر!
ماذا لو عاد أمير المؤمنين اليوم وزار الأزهر؟ من يجرؤ على لقائه؟ من؟!