لا تراه ولا تلمحه إلا وهو ممسك بكتاب وقلم. كتاب يقرأ فيه وقلم يدون به ملاحظاته. فأثمن أوقاته التي يقضيها وهو يقرأ ويحلل. يفعل ذلك في أي وقت وأي مكان. حتي لو كانت المواصلات العامة. انه محمد جبريل!!
"صداقة جيلين" كتاب يذكر فيه علاقته بنجيب محفوظ. ويذكرني بعلاقتي به ـ مع الفارق ـ والتي استمرت إلي وقت قريب. لكنها توقفت تقريباً بعد أن نال منه المرض واشتد عليه. حتي بات رهين القدرين. المرض وتعنت الدولة في علاجه علي نفقتها بالخارج. وهو حالياً يعكف علي كتابة "انعكاسات الأيام العصيبة" التي يعيشها في ظل المرض. وقد تحولت سيرته إلي "حكايات وهوامش من حياة المبُتلي". يستغرقه المكان ويغرق فيه. هو البطل عنده غالباً أما الزمان فهو بطل إلا قليلاً. حتي انه كتب دراسة شيقة بعنوان "مصر المكان" ذكر فيها كل ما يمكن تخيله من أمكنة..
والإسكندرية نشأته الأولي وعشقه القائم. شكلت مسرح الأحداث في معظم أعماله. كرباعية بحري. أهل البحر. حكايات عن جزيرة فاروس وغيرها. حتي ان رواية "غواية الإسكندر". قال عنها أحد منتقديه: "إنها أقرب للتأريخ منها للسرد. و"سرحة" في تاريخ المدينة بكثير من الدقة والتفاصيل"!! لكن الزمان والمكان تلازما جداً. فكانا كالتوأمين الملتصقين. في دراسته الرائعة المتكاملة "مصر في قصص كتابها المعاصرين". التي نال عنها جائزة الدولة التشجيعية. وما ضر جبريل لو لم يكتب سواها. فهي دراسة من فئة الخمسة نجوم. أمضي تسع سنوات يجمع في مادتها. لم يترك شاردة ولا واردة في تاريخ مصر المعاصر إلا دونها وسجلها. ويذكر الآراء المختلفة حولها. ثم ينتصر لرأي منهم وينحاز اليه. أو يختلف عنهم كلية.. كوب شاي بالحليب. مشروبه المفضل وروايته التي لم أقرأها بعد. ولكني طالعت عنها دراسة لأحد النقاد. أري فيها الأستاذ جبريل يستكمل استدعاء ذاته. بعد أن نضج ومارس الحياة. وكان قد استدعي بعضاً منها في "الشاطيء الآخر". كأنه يتعمد ذلك الاستدعاء. فليس من قبيل المصادفة هنا. أن يتناول مهنة البطل ومشروبه الأثير والبنسيون ـ الصحافة والشاي بالحليب وشقة أم ديمتروس ـ وهذا الثالوث يرتبط بجبريل ارتباطاً وثيقاً ويتفق مع نسق حياته..
خصني أستاذنا جبريل. بثلاث اهداءات لبعض من إبداعاته. مرة "إلي قارئي الجميل" وثانية "إلي المثقف" وثالثة إلي هذا الذي كم أحبه وهو لا يدري. وأنا أعتز بتلك الإهداءات أيما اعتزاز. وأتمني أن أكون عند حُسن ظنه بي. وأن يكون فاز ـ هو ـ بقارئ واعي!!
أستاذ جبريل. تحية عطرة في يوم ميلادك..
أستاذ جبريل. الرموز تحيا أبداً.