على هاشم
مصيلحي .. هل يثبت من جديد أنه وزير الفقراء؟!
* بعد إجراء تعديل وزاري محدود منذ أيام أراني أكرر أسئلة كنت طرحتها علي الحكومة بداية هذا العام : كيف ومتي يتمكن المواطن من الحصول علي غذائه ودوائه وتعليمه بلا معاناة.. متي تحميه الحكومة من تداعيات القرارات الاقتصادية الإصلاحية الصعبة. مثل تعويم الجنيه ورفع الدعم عن الوقود وكيف تحميه في الوقت ذاته من جشع التجار مصاصي الدماء الانتهازيين الجدد الذين تاجروا ولا يزالون بالمحنة الاقتصادية التي تمر بها مصر جراء سنوات من الإهمال والتجريف.. متي تنقشع غمة "الدولار" ان جاز التعبير ـ الذي صار هاجسًا يؤرق المواطنين الذين يصحون كل يوم علي سعر جديد انخفاضا أو صعودا مبررًا أحيانًا وغير مبرر في أحايين كثيرة.. متي ستتعافي جيوب الفقراء من التداعيات الخطيرة للقرارات الاقتصادية التصحيحية.. متي تستقر الأسعار فلا نجد سعرين أو أكثر لسلعة واحدة في اليوم الواحد .. متي تفي الحكومة بوعودها وبرنامجها الذي قدمته لمجلس النواب بتوفير السلع الأساسية المهمة كالأرز والسكر والزيت والدواء وغيرها بأسعار مناسبة للدخول والقوي الشرائية للمواطنين؟
الناس لم تعد تحتمل مزيدًا من الغلاء وفوضي السوق التي انفرد بها تجار الجشع والاحتكار والتربح من الأزمات في غيبة الضمير والردع القانوني.. متي يشعر المواطن أن حياته آخذة في التحسن وأن قلقه علي المستقبل ذاهب إلي طريق الطمأنينة والأمان.. متي تختفي البطالة أو تتراجع إلي النسب العالمية مع توفير الدعم للعاطلين الذين لا يقوون علي العمل لظروف صحية أو عمرية كما نري في دول العالم المتقدم .. متي يهدأ التضخم الذي جاوز 30% ويرتدع التجار الجشعون الذين لا يكفي معهم استجداء ضمائرهم الخربة بل لابد من تدخل مباشر وفعال من الحكومة حتي لا يزداد الفقراء فقرا والمتربحون بالأزمات ثراء.. متي تخرج الحكومة بخطة زمنية محددة لتشغيل المصانع المغلقة المتعثرة خصوصًا مع اتجاه حركة البيع والشراء إلي المنتج المحلي في ظل الغلاء الفاحش للمستورد وعدم القدرة علي شرائه.. متي تزداد الصادرات بالقدر المأمول الذي يعوض خسارتنا في تراجع الجنيه أمام الدولار كما تفعل الدول التي تتعمد خفض عملتها المحلية كسبًا لمزيد من الأرباح. وتوفيرا لبيئة أكثر تنافسية كما هو الحال مع دولة عظمي كالصين.
لا شك أن أحوالنا الاقتصادية صعبة وهي نتاج طبيعي لسنوات عجاف تلت ثورة 25 يناير تسبب فيها توقف الإنتاج وفوضي الإضرابات والاحتجاجات وضعف الحكومات المتعاقبة التي افتقد أغلبها الحس السياسي والرؤية والجاهزية الإدارية والخبرة لدرجة أن الاختيارات غلب عليها مغازلة الشارع الثوري كما حدث مع بعض رؤساء الوزارة مثل د.عصام شرف ود.حازم الببلاوي ونائب الرئيس السابق محمد البرادعي.
تأخر القرارات الصحيحة تسبب في سوء الأوضاع وتفاقمها حتي أن الأجور مثلا تصاعدت وتضاعفت حتي جاوزت 218 مليار جنيه دون زيادة حقيقية في الإنتاج أو الموارد ناهيك عن فاتورة الدعم وفوائد الديون التي خلقت فجوة حقيقية في الموازنة العامة لم تجد حتي هذه اللحظة حلولا ناجعة.
توقف الإنتاج في السنوات الست الماضية واستنزاف الاحتياطي النقدي وغياب العقل السياسي عند الحكومات المتعاقبة عمَّق الأزمات وضاعف الفاقد والإهدار والنزيف الاقتصادي لذلك فإن التعديل الوزاري الأخير في رأيي من أحسن التعديلات الوزارية . حيث ضم عددا من الشخصيات ذات الحس السياسي والقدرة والكفاءة وإدراك حدود مقتضيات المسئولية السياسية خصوصا وزير التموين الجديد د.علي المصيلحي الذي آثر المصلحة العليا للوطن بتنازله عن رئاسة اللجنة الاقتصادية في البرلمان وقبوله بمنصب الوزير رغم ما يحيط بالمناصب الحكومية والوزارية من ظروف صعبة وتحديات تجعل الاعتذار عنها أقرب من قبولها والانخراط فيها.
تاريخ علي المصيلحي زاخر بالانجازات فمن رئاسة البريد إلي تولي وزارة التضامن الاجتماعي قبل 2011 إلي رئاسة اللجنة الاقتصادية بالبرلمان أخيرا.. مشوار من العطاء والإنجاز يؤشر بإمكانية انتشال وزارة التموين من عثرتها وتحسين أدائها. وكف أيدي الفاسدين والجشعين عنها وستظل الأنظار متجهة إلي مصيلحي لتحقيق استقرار في الأسواق بات أكثر من ضروري ووفرة في السلع الأساسية تجعلها في متناول الفقراء من "وزير الفقراء" وهو اللقب المحبب إلي قلب الوزير علي مصيلحي.
في انتظار وزير التموين ملفات وتحديات ضخمة ولن يعترف له المواطن ولا للحكومة بالنجاح إلا إذا تحقق الإشباع والوفرة بصورة ملموسة ودون إرهاق هذا المواطن بأعباء جديدة أو زيادة أخري في الأسعار كما أن ملف الدعم سيبقي اشكالية لا مفر من معالجتها بحلول ناجعة بعد أن ظلت صداعا يؤرق الحكومات المتعاقبة التي لم تجرؤ علي الاقتراب منها خشية اغضاب الشارع.
يدرك الوزير المصيلحي وربما أكثر منا أن للنظام الرأسمالي ضوابط والتزامات أهمها ضبط الأسواق وتحقيق المنافسة العادلة بشفافية ومنع الاحتكار والتعطيش والمغالاة في الأسعار التي تسبب فيها ترك السوق للقطاع الخاص يتحكم فيها بمنطق العرض والطلب دون تحديد هامش ربح محدد ومنضبط وعادل يعبر عن القيمة الحقيقية للسلعة أو الخدمة علي السواء دون احتكار ومغالاة.
يعلم الوزير المصليحي أن العشوائية لا تزال ضاربة بجذورها في اسواقنا وليس الاحتكار إلا نوعًا من الفساد الاقتصادي الكبير زاد الفجوة بين الطبقات. فازداد الأغنياء ثراء وهوي الفقراء إلي حضيض الفقر والعوز الأمر الذي يهدد السلام الاجتماعي ويخصم من رصيد الحكم وثمة أمثلة عملية لما نقول فارتفاع الدولار سرعان ما قابله رفع متزامن للأسعار بصورة مفرطة لكل البضائع والخدمات تقريبا ما له علاقة بالدولار وما ليس له علاقة ولما انخفض الدولار بقيت الارتفاعات السعرية غير المبررة علي حالها رغم وجود بضائع وسلع مخزونة لدي التجار من قبل أن يرتفع الدولار أصلا وأبرز الأمثلة علي ذلك ما جري في سوق الدواء من عشوائية واستغلال غير مسبوقين.
مهمة الوزير المصيلحي كبيرة وأحسبه رمانة ميزان لباقي الوزارات فهو أكثرهم ارتباطًا واتصالا وتأثيرا في حياة المواطن اليومية بحكم ارتباطه بنمط الاستهلاك اليومي والاحتياجات الضرورية للمواطن وعلي رأس مهمات الوزير ضبط الأسعار حتي لو تطلب الأمر استحداث تشريعات وآليات جديدة لتحقيق العدالة الاقتصادية والإشباع للفقراء وما أكثرهم.. فهل يثبت د. مصيلحي من جديد أنه فعلا وزير الفقراء؟!
أما وزير التنمية المحلية الجديد د.هشام الشريف فقد جاءه المنصب متأخرا بحسبانه ـ أي الشريف ـ أبا للمعلومات في مصر ومنشئها فهو من أسس وأدار مركز معلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء منذ 9 سنوات ولذلك فلن يكون هناك مستحيل أمامه إذا ما شرع في تغيير وتطوير منظومة المحليات لجعلها أكثر حداثة وتكنولوجية وإنتاجية خالية أو شبه خالية من الفساد البيروقراطي القديم . وهو أيضًا قادر علي بناء قاعدة معلومات حقيقية لشتي ربوع مصر يمكن من خلالها إدارة الأزمات واتخاذ القرارات وتحسين أداء الجهاز الإداري للدولة وتحسين إنتاجية الموظف المصري ورفع كفاءة المنظومة الإدارية ككل بالتنسيق مع زملائه في الحكومة ونقل مصر إلي عصر التكنولوجيا واقتصاد المعرفة والحكومة الالكترونية وهو ما تأخر كثيرا.
وأحسب أن اختيار د.هالة السعيد وزيرة للتخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري كان موفقا لما تملكه من خلفية سياسية وادارية وعلمية تؤهلها لإنجاز مهمة الإصلاح الإداري لمؤسسات الدولة بكفاءة لتضع مصر علي خريطة التخطيط السليم وتخليصها من البيروقراطية التي تعد من أهم أسباب تطفيش المستثمرين وحرمان مصر من أي نهضة.
أما وزير التعليم الجديد د. طارق شوقي فمهمته ليست سهلة فالتعليم أهم ملفات مصر قاطبة وهو بحاجة كما قال د.شوقي فور توليه منصب الوزير إلي جراحة عاجلة تجعله ليس مجرد شهادة بلا منتجا حقيقي وقادرًا علي المنافسة في سوق العمل والبحث العلمي وأظن الوزير الجديد يملك رؤية يمكنها تغيير نظام التعليم. ذلك الملف الذي يحظي باهتمام كبير من الرئيس السيسي.
أمام الحكومة المعدلة تحديات كبري . فلا تزال معركة الإرهاب قائمة. ولا تزال أوجاعنا الاقتصادية في حاجة لمن يخفف احتقانها وتداعياتها المريرة خصوصًا علي الفقراء ومن ثم لم يعد مناسبًا الاعتماد علي تقارير مكتبية خادعة مراوغة بل تحتاج اللحظة الحالية إلي النزول للشارع ومواقع العمل والإنتاج لمتابعة أحوال الناس علي أرض الواقع جنبا إلي جانب وضع سياسات مدروسة وخطط علمية تجيب عن أسئلة الشارع حتي لو لجأت الحكومة لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي علي طريقة ترامب .
لقد تحمل الناس كثيرا من المتاعب الاقتصادية لدرجة جعلت الرئيس السيسي يشيد بتحملهم وصبرهم وتفهمهم لآثار الإصلاح ويبقي علي الحكومة المعدلة أن تقدم أوراق اعتمادها من جديد للشارع الذي يملك وحده حق التقييم وإعطاءها صك الجودة والاعتماد.. فهل تقدم تلك الحكومة ما تقر به أعين الناس ويعيد إليها الثقة المفقودة؟!