الوطن
حافظ أبو سعدة
من يوقف إعدام برىء؟
لكى تدرك أهمية الحملة الدولية لإلغاء عقوبة الإعدام يجب أن تقف كثيراً أمام حالات صدور أحكام الإعدام على أشخاص لم تقتنع المحكمة بأدلة البراءة رغم وضوحها، أو أن محاكمة هذا الشخص لم تتوافر لها شروط المحاكمة العادلة والمنصفة، أو محاكمة تتم لعدد كبير للأشخاص بتهم عقوبتها الإعدام فلا تستطيع المحكمة أن توفر الوقت الملائم لكل متهم لإبداء دفاعه ومناقشة أدلة الثبوت أو النفى والاستماع للشهود ومناقشة شهادتهم، فى كل هذه الحالات تصدر أحكاماً بالإعدام لأشخاص أبرياء ولا يمكن تدارك الأمر لأن هذه العقوبة هى الوحيدة التى إذا تم إنفاذها لا يمكن الرجوع فيها أبداً.

الأمر هنا لا يتعلق بجسامة جريمة معينة، فهناك من الجرائم ترتكب ببشاعة وتحدث آلاماً جسيمة للضحايا أو أسرهم مثلما حدث فى استاد بورسعيد وسقوط أكثر من 74 شهيداً من أبنائنا فى عمر الزهور، لكن فى الحقيقة هذه الجريمة لم تأخذ حقها فى إجراء تحقيق حقيقى شامل وما زلت أعتقد أن المجرمين الحقيقيين لا يزالون هاربين من العدالة.

منذ يومين أكدت محكمة النقض حكم الإعدام لعشرة متهمين فى قضية استاد بورسعيد، رغم أن مذكرة نيابة النقض قد انتهت بعد بحث الحكم وتمحيصه إلى ضرورة قبول الطعن بالنقض لكل الأحكام، بالذات بالإعدام لعدم ثبوت القصد والنية للقتل العمد وسبق الإصرار، فضلاً عن القصور فى التسبيب، وأدان التقرير استخلاص الحكم المطعون فيه لأقوال شهود الإثبات التى قد خلت مما يفيد رؤيتهم الطاعن (حسن المجدى) يرتكب الفعل المادى لجريمة القتل العمد لأحد المجنى عليهم بإلقائه من أعلى السور المسندة إليه، كما أنه لم يورد أى شواهد أو قرائن تؤدى لثبوت اقتراف هذا الفعل (خنق المجنى عليه) للطاعن المذكور ولم يبين كيف انتهى إلى هذه النتيجة حين أدان الطاعن بجريمة القتل العمد.

وقصة حسن المجدى، الشاب الأهلاوى المحكوم عليه بالإعدام فى هذا الحكم، رغم وجود فيديوهات تثبت وجوده ضمن جماهير النادى ، ورغم الشهادة التى معه من اللاعب عماد متعب الذى وجده أثناء الأحداث فى حجرة خلع الملابس وهو حافى القدمين وممزق الملابس ويرتعد خائفاً من مصير زملائه، لم يستطع إحضار عماد متعب للسماع لشهادته ولم يثبت طلب سماع الشهادة أمام محكمة الجنايات، لديه من الأدلة النافية لارتكابه لأى جريمة، بل وتثبت أنه ضمن جماهير الأهلى، وكان الحكم أول درجة قد صدر فى غيبة المتهم ولأن كل الدلائل تؤكد براءته حرصت أسرته على أن يقوم بتسليم نفسه ليقوم بعمل إعادة إجراءات ليفاجأ بتجاهل كل أدلة البراءة وصدور الحكم بالإعدام مرة ثانية.

المشكلة الكبرى الآن أن الحكم أصبح نهائياً وغير قابل للطعن عليه أمام محكمة النقض مرة أخرى، رغم أن قضيته نُظرت مرة واحدة أمام محكمة الجنايات ولم يتمتع بحقه فى المحاكمة على درجتين، ولم يتمكن من إبداء دفاعه كاملاً ولا السماع إلى شهوده أو أدلته ومناقشتها على بساط البحث مناقشة مستفيضة طالما أنه يواجه عقوبة تصل إلى الإعدام.

فى مثل هذه الحالات لم يغلق القانون أبوابه فى وجه المتهم البرىء الذى حكم عليه ظلماً، فقد نص قانون الإجراءات الجنائية على التماس إعادة نظر يقدم للنائب العام بعد إرفاق كل المستندات التى تتضمن وقائع جديدة أو أوراقاً جديدة تؤكد براءة المتهم، لذلك فإن عقوبة الإعدام تظل هى العقوبة التى لا يمكن الرجوع عنها إذا تم تنفيذها، فأياً كانت الضمانات التى ينص عليها الدستور والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان فى المحكمة الجنائية كبيرة إلا أن المحاكمات الجماعية دائماً ما تفتقد شروط المحاكمة العادلة والمنصفة أو ضمان حق الدفاع، الأمر الذى قد يؤدى إلى إدانة أبرياء، الأمل الوحيد الباقى أمام هذا الشاب هو النائب العام فهل ينقذ النائب العام رأس هذا البرىء من حبل المشنقة؟
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف