المساء
د/ شوقى علام
تحقيق السلم الاجتماعي مفاهيم ووسائل "1"
يكتسب الاهتمام والاشتغال بفقه السلم أهميته وفضله. وتوضيح معالمه ومفرداته وقواعده ووسائله يصحح انحراف المفاهيم المغلوطة التي نعاني منها في الوقت الراهن. ويعين علي التفاهم والتعايش. ويروج للمحبة والوئام ويكبح جماح التكفير والهدم والتدمير. ويُشيع ثقافة العقل والفقه واعتبار المصالح وسبيل الحكمة جلبًا والمفاسد درءًا. ومن ثَمَّ يَسْلَم دين الإسلام من الاغتراب والتعرض للحرج والتشويه.
ولدينا الكثير من النصوص الشرعية الآمرة بتحقيق السَّلْم ورفع التهارج والتي تنبئ بشأن هذه الفضيلة. وأنها قيمة ضرورية. وسمة إسلامية. وعزيمة إلهية. اتفق حكماء البشر غابرهم وحاضرهم علي تحقيقها» فهي أعظم الروابط بين البشر. وأقوي الأسباب لسعادة الاجتماع الإنساني وارتقائه. بل إنه يمكن القول أن مقصد السلام هو المقصد الأعلي في الشريعة الإسلامية.
ولا جرم فإن السِّلم إذا فُقِدَ لا يحُلُّ محلَّها شيءى في منع الشر ووقوع الفتن وانتهاك الأعراض والمُحرّمات. لذا جعل الإسلام السلم أصلًا والحرب فرعًا. مُوجبًا ذلك علي جميع الناس. لا يختص به مسلم دون غيره. ولا برّى دون فاجر. ولا حاكم دون محكوم. ولا غني دون فقير. قال تعالي مخاطبًا عباده: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً" "البقرة: 208". وقال آمرًا نبيه صلي الله عليه وسلم أن يميل إلي السلم مع الأعداء إذا مالوا إليه: "وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَي اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ" "الأنفال: 61".
ولا نَخَالُ أحدا يجهل أن ثمة كثيرين يتصيدون ما يلصقه أهل الإسلام وغيرهم بهذا الدين الحنيف» للنيل منه وتأليب الرأي العام ضده. فضلا عن تقديمه من قبل بعض الأوساط الغربية بوصفه عقيدة معادية للتسامح والمحبة والحرية. وداعية للعنف وإراقة الدماء والشمولية.
وهذا يدفعنا دفعًا حثيثًا إلي الإلمام الدقيق والنظر الفاحص ببؤر الأزمات والتوتر في المجتمعات الإسلامية المعاصرة. وبذل مزيد من الجهد لتفكيك مقولاتهم وأسانيدهم التي ينفذون من خلالها إلي تبني العنف والعمل المسلح ضد المواطنين والحكومات علي حدّي سواء. ومن ثَمَّ تعصم بلادنا من الفوضي التي وضعت أجندتها دولى لا تريد استقرارًا لبلادنا. وهي تعمل علي نشر التوتر والنـزاع في كل مكان.
وبهذا الفهم أيضا ننأي بمجتمعاتنا عن فكر الإرهاب الذي تنشد جماعاتُ العنف مِن ورائه حسمَ المعارك مع الخصوم عن طريق القتال والعمليات التفجيرية والاغتيالات. قصدًا إلي إسماع الرأي العام قضيتهم وإثارة مظلوميتهم. ذلك لأن العنف يحمل في رسالته طابعا مثيرا وجالبا للأنظار بعد أن يعتقد مستخدموه أن دعواتهم ومطالبهم محل النسيان والتجاهل من قبل أفراد المجتمع وطبقاته. لذلك لا نستغرب ادعاء تلك الجماعات الحق في استخدام أي وسيلة لفرض الذات طالما هي قادرة علي استخدامها وتبريرها من خلال أجهزتها التبريرية النشطة. والتي تستغل جهل الجماهير من الأصدقاء والخصوم -علي حد سواء- بحقائق التاريخ المعاصر لتلك الجماعات الذي لم يجف مداده بعد.
ولذلك فإن واجب الوقت يتطلب تصحيح جملة من المفاهيم الأصيلة التي كانت وما زالت حصنًا للسِّلْم. بل هي وسائل أمينة للحفاظ علي حياة الإنسانية. ومظهرًا من مظاهر رحمة كلمة الله الأخيرة للعالمين. والتي حرَّفت جماعات العنف معانيها وصورها الأصيلة الثابتة وحقيقتها الواضحة. حتي انقلبت أسسًا ومبادئ لأفعال وحشية بربرية تَكِرُّ علي المقصود الصحيح لها بالبطلان. بل شوهت تلك الممارسات صورة الدين الإسلامي النقية. حيث تلقفها أعداء الإسلام لتنفير العالمين من هذا الدين السمح الذي إذا خالطت بشاشته القلوب لا يسخطه أحدى!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف