الجمهورية
بسيونى الحلوانى
لوجه الله .. المصريون.. وثقافة النكد!!
بعض المصريين أو كثير منهم يعشقون حالة النكد والكآبة ينظرون حولهم فلا يرون إلا ما هو أسود وسيئ ويسيطر عليهم الشعور بالإحباط لأنهم يضعون دائماً نظارة سوداء فوق عيونهم فلا يرون إنجازاً هنا أو هناك. ولا يعترفون بجهد يبذل في أي موقع من مواقع العمل والإنتاج. وأحوالنا في نظرهم تنتقل من سييء إلي أسوأ. والقادم في كل الأحوال أصعب. وليس أمامنا ــ نحن المصريين ــ إلا الانتحار أو الانفجار في وجه النظام لنضيف إلي سجلنا الثوري ثورة جديدة يطلقون عليها "ثورة الجياع".
مزاج كثير من المصريين المقلوب يدفعهم دائماً إلي البحث عن كل ما هو سيئ. والتشكيك في كل ما هو إيجابي وجيد. وصرف الناس عن التفاؤل ودفعهم إلي التشاؤم. وتسويد عيشتهم وتحريضهم علي ما تبقي لهم من نعمة الرضا والصبر.
منذ أيام ركبت مع سائق تاكسي ملتح لتوصيلي من العتبة إلي منزلي بالهرم وكانت رحلة كئيبة تحولت فيها مصر إلي دولة شيطانية. يستحق أهلها ما تعاني منه من غلاء فاحش وفساد ينتشر في البر والبحر والجو.. حتي مكاسب منتخبنا الوطني في الجابون كانت مؤامرة لإلهاء الشعب فلاعبو المنتخب خونة وعملاء ومتآمرون مع النظام لإلهاء الشعب وصرفه عن معاناته الحقيقية!!
وللأسف هذه ليست رؤية سائق تاكسي محدود الثقافة كاره للبلد وكل ما فيه.. لكنها رؤية مثقفين وإعلاميين أيضاً لا يرون في المشهد الحالي في مصر إلا الغلاء والفساد والبلطجة والمحسوبية والبطالة والزبالة والتلوث.. فإذا ما ناقشتهم وأوضحت لهم أن الدولة تحارب كل ذلك ولا تحمي فاسداً أو بلطجياً سخروا منك واعتبروك ساذجاً ولا تفهم ما هو خلف الكواليس وعندما يحتد النقاش يطفحون بما يؤمنون به فالدولة في نظرهم تضحي بصغار الفاسدين لتحمي حيتان الفساد الكبار. والداخلية ترعي البلطجة وتشغل البلطجية لحسابها. والمحسوبية والواسطة في كل مكان. والمشروعات القومية الكبري "فنكوش" لا وجود له علي الأرض. وعندما تذكر لهم ما لديك من معلومات صحيحة وحقائق دامغة يعتبرونك عميلاً للنظام ومنافقاً له ومتطلعاً إلي منصب فتضطر إلي إنهاء الحوار معهم بعد أن تنتقل لك حالة الكآبة التي تسيطر عليهم.
***
وبعيداً عن دعاة الكآبة السياسية الذين تغزيهم يومياً بكل جديد فضائيات مأجورة في تركيا وقطر ومعها الزميل وائل الإبراشي الشهير بـ "وائل حريقة" في الداخل.. هناك فصيل من المكتئبين المصريين ومعظمهم للأسف من الشباب لا يطربهم ولا يمتعهم من الطرب إلا أغنية المطرب حسن الأسمر الشهيرة "كتاب حياتي يا عين ماشفت زيه كتاب.. الفرح فيه سطرين والباقي كله عذاب.. كتاب حزين كله مآسي.. تأليف زمان غدار قاسي.. الفرح سطر غلط مكتوب لما الزمن كان يوم ناسي".. هؤلاء الشباب نتيجة ما يتعرضون له يومياً من محاولات "مسخ وطني" تشعر أنهم تائهون ويمشون في كل مكان وهم يرددون مع عبدالباسط حمودة "أنا مش عارفني أنا تهت مني أنا مش أنا.. لا دي ملامحي ولا شكلي شكلي ولا ده أنا.. أبص لروحي فجأة لقيتني كبرت فجأة كبرت من المفاجأة"!! والذي يستهويه الطرب الأصيل منهم تجده يبحث عن أغنية عبدالحليم "أي دمعة حزن" لكي يردد معه "وسيكبر حزنك حتي يصبح أشجاراً وسترجع يوماً يا ولدي مهزوماً مكسور الوجدان"!!
هذه الكلمات الكئيبة والحزينة لا تزال تخاطب مشاعر بعض المصريين وخاصة الشباب ويجدون فيها ضالتهم ويستمتعون بها ويتراقصون عليها في مناسباتهم السعيدة!!
وهناك فصيل آخر من المكتئبين والمحبطين والسوداويين يسيطرون علي المزاج الديني للمصريين فيشغلون الناس دائماً بالموت وعذاب القبر وكيفية الغسل حتي أن بعض الفضائيات جاءت بمغسلة محترفة للموتي لكي تعلم الناس كيفية الغسل علي الهواء مباشرة وهو مشهد صادم للمشاعر الإنسانية وليس محله علي الإطلاق فضائيات أغلب مشاهديها من الأطفال والنساء.. أما عن خطباء المساجد المكتئبين والمحبطين فحدث عنهم ولا حرج. حيث يعشق بعض الدعاة تعكير مزاج مستمعيهم بقصص وحكايات تجلب الكآبة وتصرف الناس عن التفكير في الحياة وتشغلهم طوال الوقت بالغيبيات وما ينتظرهم من عذاب أليم في الآخرة.. ونسي هؤلاء الذين ابتلينا بهم في ساحة الدعوة الإسلامية أن شعار الداعية في كل الأوقات قول رسول الله صلي الله عليه وسلم "بشروا ولا تنفروا" وواجبه نشر ثقافة الأمل ومواجهة مشاعر اليأس والإحباط وإفساد مخططات دعاة الكآبة من أتباع الجماعات إياها.
هذه النكديات التي تحيط بالمصريين من كل جانب تحتاج إلي مواجهة حقيقية من الدولة بكل أجهزتها الدينية والثقافية والإعلامية فالإنسان المحبط والذي تسيطر عليه مشاعر اليأس لن يعمل ولن ينتج ولن يكون مخلصاً في أي عمل يؤديه وسيكون فريسة سهلة لجماعات الضلال.
أيضاً.. علي الدولة أن تعرض علي الشعب الحقائق كاملة في كل الملفات. وأن ترد بكل ما هو مقنع وعقلاني علي مروجي الشائعات والأكاذيب. وأن تسكت كبار مسئوليها المحبطين الذين لا يعرفون كيف يخاطبون شعباً مرهقاً بالهموم والمشكلات والأزمات.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف