شكرى القاضى
ذاكرة الأمة .. "في ذكري الجورنالجي" .. لا تنسوا السياسي والأديب
** ستون عاما بالتمام والكمال هي الفارق الزمني بين رحيل الأديب والسياسي المصري البارز الدكتور محمد حسين هيكل والجورنالجي الشهير الأستاذ محمد حسنين هيكل. فقد غادرنا الدكتور هيكل في أواخر عام 1956 عن ثمانية وستين عاما بينما رحل الأستاذ هيكل في أوائل العام الماضي 2016 عن ثلاثة وتسعين عاما حيث تحل ذكراه الأولي هذا الأسبوع ولأن قيمة الأوطان تتجسد في رموزها من النوابغ الذين أضاءوا العقول ورسخوا معني القيمة في النفوس فإنه من الأهمية بمكان ألا نتجاهل عظيم دور علم شامخ من جيل الرواد الذين أسهموا في تشكيل وجدان الأمة المصرية خلال النصف الأول من القرن العشرين. فقد كان الدكتور محمد حسين هيكل أحد ثلاثة أدباء ومفكرين مصريين تندلع من أجلهم المظاهرات. تارة تهتف لهم وتارة تعارضهم وهم الثلاثي العبقري "طه حسين - العقاد - الدكتور هيكل" فالدكتور هيكل أول من أسهم في تمهيد الطريق أمام رفيقيه بشأن حرية البحث في أمور الدين دون الخروج علي الثوابت أو الانحدار إلي منطقة الإلحاد بشكل استطاع من خلاله تحقيق معادلة حضارية وانسانية رائعة جمعت بين عقل الغرب وإلهام الشرق في إطار عمري من التوحيد والتجديد والحرية عبر كتابيه "حياة محمد" و"في منزل الوحي" إلي جانب مؤلفاته عن الخلفاء الراشدين: أبوبكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم - وعلي صعيد السياسة أصدر الدكتور هيكل إلي جانب كتابه الأشهر "مذكرات في السياسة المصرية" عدة مؤلفات منها: عشرة أيام في السودان - الانقلاب الدستوري - جان جاك روسو.
أما علي الصعيد الأدبي فقد ارتبط اسم الدكتور محمد حسين هيكل بأول محاولة لكتابة الرواية في تاريخنا الأدبي المعاصر وأعني روايته باسم "زينب" التي تحولت إلي أول فيلم صامت قدمته السينما المصرية في تاريخها.. جدير بالذكر ان الدكتور هيكل كان قد نشر تلك الرواية في حلقات مسلسلة بجريدة "الجريدة" التي أصدرها لطفي السيد وكما كانت روايته الأولي عن البيئة الريفية التي نشأ فيها فقد كانت روايته الأخيرة بعنوان: "هكذا خلقت" قبل رحيله بمنتصف الخمسينيات.
* وعلي ذكر نشأته فقد خرج الدكتور محمد حسين هيكل للحياة بقرية كفر غنام مركز السنبلاوين بمحافظة الدقهلية يوم العشرين من أغسطس عام 1888م وحصل علي البكالوريا عام 1905 ثم حصل علي درجة الليسانس باللغة الانجليزية عام 1909 قبل ان يحصل علي درجة الدكتوراة بالفرنسية من باريس عام 1912 في القانون وكان أول مدرس مصري يلقي محاضرات في القانون الدستوري بالجامعة المصرية.
وللدكتور هيكل باع طويل في السياسة المصرية فقد بدأ حياته العملية محاميا بمدينة المنصورة ثم انضم لحزب الأحرار الدستوريين واختير رئيسا لتحرير جريدة "السياسة" الناطقة بلسان الحزب وكانت تصدر يومية ثم أسبوعية وكان لنجاحه الهائل في تحرير جريدة الحزب أثره البالغ في اختياره رئيسا لحزب الأحرار الدستوريين ثم اختياره وزيرا للدولة فقد شهدت الحقبة الزمنية ما بين منتصف الثلاثينيات ومنتصف الأربعينيات صعوده السياسي وبامتداد ثماني سنوات ثم اختياره وزيرا للمعارف - التربية والتعليم - في ثلاث وزارات متتالية قبل اختياره رئيسا لمجلس الشيوخ عام 1945 ولمدة خمس سنوات أقاله بعدها الملك فاروق بمرسوم ملكي لأنه سمح للمعارضة بمهاجمة رجال الحاشية عبر الاستجواب الشهير حول الأسلحة الفاسدة التي استخدمت في حرب فلسطين عام .1948
آخر الكلام :
رغم مرور عام كامل علي رحيله فالحديث لا ينقطع عن الجورنالجي المصري الأشهر في الداخل والخارج الأستاذ محمد حسنين هيكل "1923 - 2016" مؤسس مدرسة الأهرام الصحفية العريقة وقد لا يعرف الكثيرون ان الأستاذ هيكل الذي خرج للحياة بحي الحسين الشهير بالقاهرة كان يلازم جده لوالدته "بيومي سلام" في الذهاب إلي المسجد الحسين بامتداد سبع سنوات حفظ خلالها القرآن الكريم وتأثر بأسلوبه ولغته. وفي مدرسة خليل أغا الابتدائية حفظ الأستاذ هيكل - رحمه الله - آلافاً من أبيات الشعر علي يد معلمه الشاعر علي الجندي الأمر الذي ميزه علي جميع محللي السياسة وغلف أسلوبه ببريق خاص وجملة عربية رصينة حققت له الريادة في تاريخ الصحافة المصرية المعاصرة ووضعته علي قمة الهرم بين محللي السياسة في الشرق الأوسط.
جدير بالذكر ان أول كتاب طالعه هيكل في صباه هو: "أدب الدنيا والدين" للمارودي ومن هذا الكتاب نهل هيكل من نبع الثقافة وتعلم أن الكتب هي مستودع الرؤي ومخزون التجارب ومن أراد أن يتعلم السياسة ويخوض فيها فلن يجد أفضل من مؤلفات الأستاذ والمعلم محمد حسنين هيكل.