المصريون
جمال سلطان
تهجير أقباط العريش .. والدولة المستباحة
ما زالت سيناء تمثل جرحا نازفا في قلب الوطن ، وما زالت الأحداث التي تجري في شمالها عصية على الفهم والاستيعاب والإقناع ، وما زال مسلسل الدم مستمرا منذ أربع سنوات بدون أي أفق لنهايته ، رغم كل البشريات التي ساقها قيادات عسكرية وخبراء أمنيين من سنوات عن أن تطهير سيناء من الإرهاب مسألة أسابيع ، امتدت لسنوات ، وهذا الأسبوع تفاقمت الأمور أكثر بعد تنفيذ تنظيم "داعش" لتهديداته باستهداف الأقباط في العريش ، وقد قام الإرهابيون بذبح سبعة من الأقباط حتى الآن ، وخلال فترة وجيزة ، وأحدهم قبل أيام أحرقوه حيا وأحرقوا بيته بعد ذلك ، وعلى إثر ذلك يتم تهجير حوالي أربعين عائلة قبطية من المدينة . المؤسف في خبر أمس أنه بدأ انتشاره ليلا على نطاق واسع ، وأثار موجة غضب واضحة على مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية ووصلت أصداءه إلى الإعلام الدولي ونشرت المذابح في قنوات ومواقع صحف عالمية ، وعمت حالة من الحزن والغضب المشروع بين الأقباط ، فإذا بنا في الصباح الباكر نفاجأ بخبر قيام الرئيس عبد الفتاح السيسي بجولة رياضية ترفيهية مع طلاب أكاديمية الشرطة في منطقة التجمع الخامس ، وكان الخبر صادما ، لأنه يعطي انطباعات متعددة عن عزلة القيادة عن مشاعر الرأي العام ، ليس الأقباط فقط بل الوطن كله ، أو ضعف تقدير تلك المشاعر أو الاستخفاف بها ، وأيضا يعطي انطباعا بأن الدولة أصبحت تتعايش مع نفوذ داعش وسيطرتها وجرائمها باعتبارها شبيهة بحوادث الطرق اليومية العادية !. هناك علامات استفهام كبيرة حول ما يجري في شمال سيناء ، ولا يمكن إنكار أن التساؤلات والهمسات والغمز واللمز انتشر اليوم على نطاق واسع في مصر وخارجها ، لا يمكن تصور أن مصر بجيشها وشرطتها التي تصل إلى مليون مقاتل عاجزة عن إنهاء هذا "الجيب" الإرهابي طوال أربع سنوات ، نملك الطائرات الحديث بمختلف أشكالها وقدراتها ، ونملك الآليات المدرعة الحديثة ، ونملك قوات يؤكد لنا القادة أنها على أعلى مستوى من الكفاءة والقدرة ، ونملك أيضا التعاطف الإقليمي والدولي في معركتنا مع الإرهاب ، ولم يبخل الوطن على جيشه وشرطته بشيء رغم ظروفنا الاقتصادية البائسة ومعاناة الشعب ، فمن الذي يقنعنا بأننا بعد كل ذلك نكون عاجزين عن دحر وتصفية بضعة مئات من المقاتلين في منطقة جغرافية صغيرة ، أيا كان تسليحهم أو قدراتهم ، طوال أربع سنوات ، علما بأن هناك معارك شبيهة خاضتها دول إقليمية مع تنظيم داعش ، كان فيها التنظيم يملك قدرات قتالية وتسليحية وإمكانيات هائلة وفي محيط من الفوضى أيضا ، ومع ذلك نجحت تلك الدول بل وكتائب شعبية في دحر التنظيم وإنهاء وجوده ، فهناك كتائب شعبية مسلحة في مدينة مصراته الليبية خاضت حربا ضارية مع آلاف المقاتلين من التنظيم الذي سيطر على مدينة سرت الكبيرة ، وخاض معارك من شارع لشارع وأحيانا من بيت لبيت ، وخلال ستة أشهر كانت تلك الكتائب قد نجحت في تطهير المدينة بكاملها من عناصر داعش ، وفي شمال سوريا نجحت كتائب مسلحة بدعم من الجيش التركي في إنهاء وجود داعش بالكامل من مدينة الباب خلال ستة أشهر ، فكيف نظل في مصر طوال أربع سنوات ننزف من أبنائنا ومقدراتنا ومن كرامة الدولة نفسها ، في مواجهة عدة مئات من المقاتلين في مدينة العريش الصغيرة نسبيا بدون أن ننجح في تطهير المنطقة منهم . وقد قامت الدولة بتدمير الأنفاق التي قيل أنها التي تهرب السلاح للمقاتلين ، ووضعت حاجزا مائيا ضخما ، كما قامت بترحيل مئات العائلات من رفح وأخلت مناطق تصل إلى عمق كيلو متر ونصف على الحدود ، ومع ذلك تزايد الإرهاب ولم يقل ، وأعلنت حالة الطوارئ وحظر التجول في ساعات طويلة ، ومع ذلك تزايد الإرهاب ، ما هي الحكاية بالضبط ؟! . ترحيل الأهالي وعائلات بكاملها من العريش والشيخ زويد ورفح مستمر بصمت منذ شهور طويلة ، وهناك أحياء كاملة في الإسماعيلية والقنطرة شرق وغرب على ضفة القناة تحولت إلى مستوطنات للمهجرين من مناطق شمال سيناء التي يتم تفريغها من سكانها عمليا بهدوء وصمت ، ولا أحد يتكلم ، واليوم يتم تهجير أربعين عائلة قبطية بعد تهديدات بالذبح ، واكتفت الجهات الرسمية بقرار "رحيم" بمنح الموظفين الأقباط العاملين في العريش إجازة رسمية مدفوعة الأجر ! . ما يحدث في شمال سيناء خارج حدود العقل وخارج حدود الكرامة الوطنية معا ، وعلى الرئيس أن يتحمل مسئولياته تجاه الشعب ، وأن يهتم بمصارحة مواطنيه ، بدلا من الهرب من الأزمات المروعة والمهينة للدولة باستعراضات الدراجات فجرا في ضواحي العاصمة .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف