المصريون
د. عبد الآخر حماد
أيها الشيخ الجليل : ما الذي يغيظهم في كثرة من ودَّعُوك ؟
هذه الحشود غير المسبوقة التي شاركت في جنازة شيخنا الدكتور عمر عبد الرحمن رحمه الله ، لم تأتِ فقط بدافع الحب والوفاء من قبل تلاميذٍ تجاه شيخهم ومعلمهم ، ولا كانت مجرد تعاطف مع رجل ظُلم ظلماً بيناً في بلاده وخارج بلاده ،وإنما كان الأمر فيما أرى أعمق من ذلك بكثير . ذلك أن هذه الحشود -التي قدرها البعض بعشرات الألوف وإن كنت أعتقد بحسب ما رأيت أنها أكثر من ذلك بكثير - أقول إن هذه الحشود جمعت أطيافاً من الناس جاؤوا من غالبية محافظات مصر رغم بعد المكان ووعورة الطريق ،وأكثر هؤلاء لم يروا الشيخ إطلاقاً ، ولا عاصروه أيام جولاته في ربوع مصر ناطقاً بالحق مفنداً للضلالات والشبهات ، وإنما جاءت هذه الجموع لتكشف عن حقيقة معدن أهل مصر أو غالبيتهم ، وأنهم برغم كل شيء لا يزالون محبين للعلماء الربانيين الصادعين بالحق ، وأنهم يرون أن التمسك بالإسلام هو طريق عزتهم ورقيهم ، وأن كثيراً مما يرمى به الإسلام ودعاته إن هو إلا باطل من القول وكذب وبهتان مبين . ولا يخفى على المتابع للأحوال في بلادنا أن هناك طائفة ممن تصدروا أجهزة الثقافة والإعلام ممن يسمون أنفسهم بالنخبة جعلوا همهم الأكبر محاربة كل دعوة لعودة الأمة إلى دينها وثقافتها الأصيلة المنبثقة عن هذا الدين ، وهم يستشعرون أن وجودهم وتصدرهم للمشهد مرهون ببعد هذه البلاد عن دينها وشريعة ربها . وقد تباينت تعليقات أولئك (النخبة ) حول ما حدث في هذه الجنازة المهيبة ، فمنهم من أبى إلا الكذب والافتراء فزعم أن عدد المشيعيين كان بضع مئات فقط ،رغم أن الصور المنشورة في كل مكان تكذب تماماً هذا الذي قالوه . ومنهم من تساءل في غيظ متعجباً : هل تشييع هذه الجموع الغفيرة جنازة عمر عبد الرحمن هو تعبير عن تأييدهم للتطرف وتقديرهم للإرهاب؟ وأقول : بل هي دليل على كذب دعايتكم السوداء وأجهزة إعلامكم المضللة ،التي ظلت لعشرات من السنين تبث سمومها متهمةً هذا الرجل بما تسمونه الإرهاب والتطرف ، ولكن يشاء العلي القدير أن تأتي هذه الجموع الغفيرة -التي أعلم جيداً أن قليلاً منها جاء بترتيب وتنظيم - لتثبت أن شعبنا أذكى مما تتصورون ، إذ لم يَرُج عليه هذا الذي تتقولونه على الشيخ ؛لأنها تعلم حقيقة الرجل وأن ما تعرضه له في أمريكا ما هو إلا مؤامرة دنيئة كنا قد بينَّا حقيقتها في مقالات نشرناها في حينها ، ولعلنا نعيد نشر بعضها بإذن الله تعالى . ومنهم من راح يتباكى على مستقبل مصر قائلاً : إن البلد التي يحضر فيها جنازة عمر عبد الرحمن مائة ضعف الحاضرين حفلة عمر خيرت هي بلد ليس لها مستقبل ، وأقول : لقد صدقتَ ؛لأنك بالتأكيد تقصد مستقبلك أنت وأمثالك ممن لا هم لهم إلا القدح في ثوابت الإسلام والطعن في أحكامه ، أما بلادنا الطيبة فإننا على يقين بأنه لا رقيَّ لها ولا تقدم إلا إذا عادت لشريعة ربها ، وتخلت عن أفكارك أنت وأمثالك ممن لا هم لهم إلا تشويه صورة أهل الدين ورميهم بكل نقيصة . رحمك الله أيها الشيخ الجليل ، وأعلى درجتك في الجنة ، ولعل الله أراد لك بمثل هذه الأقاويل ألا ينقطع عنك الأجر ،وإن انقطع منك العمل ،والله المستعان . عبد الآخر حماد

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف