الأهرام
د.سامية الساعاتى
يوسف الشارونى وبهجة التسعين
حين يؤرخ للأدب فى مصر. فإن اسم «يوسف الشارونى» يفرض نفسه كأحد الأدباء الأوائل، الذين لهم فضل الريادة والسبق فى القصة الحديثة فى النصف الثانى من القرن العشرين، وأوائل القرن الحادى والعشرين.

فقد ولد «الشارونى» فى سنة 1924، وظل يكتب ويبدع حتى تعدى التسعين من عمره، وهى السن التى اعتبر الوصول إليها نوعا مختلفا من البهجة..

ورغم أن الأديب الكبير «يوسف الشارونى» قد رحل عنا فى سن الثانية والتسعين، فقد كان يعيش بقلب طفل، تسبقه ابتسامة عذبة، ولايغيب عنه التواضع الجم، ولا التفاؤل الشديد. ظل حتى آخر أيامه يشعر «بالعنفوان الإبداعى»، الذى يفوق عنفوان الشباب، حتى أنه قد وقع فيما بعد سن التسعين ثلاثة كتب فى يوم واحد، كان لكاتبة هذه السطور شرف الكتابة عنها فى كتاب منها بعنوان «سامية الساعاتى» والابداع فى الأدب وعلم الاجتماع سنة 2015. قال فى مقدمته: «أنه يفرح حين يجد أن أجيال مصر الثقافية تتوالد ولاتتوقف وأن مؤلفة موضوعاته هى أحد أبناء الجيل الذى يتوسط جيل الشيوخ وجيل الشباب، محتفظة بحيوية الشباب، وخصوبة العطاء».

يقول «يوسف الشارونى» فى إطلالة كتابه «مباهج التسعين»: «تجاوزت التسعين بعد مشوار مزدحم بالنجاحات والإخفاقات، والانتصارات والهزائم. وأشبه نفسى بالتاجر الذى يحصى مكاسبه، وخسائره، فى آخر يوم، فأجدنى نشرت ثلاثة وستين كتابا ـ وأربعة قيد النشر ـ ما بين قصة، ورواية، ونثر شعرى، ودراسة نقدية، وسير، فلم أحدد لنفسى إبداعا معينا، بل أطلقتها تبدع فى حرية. وهناك من الرسائل الجامعية، والجوائز الأدبية من مصر، وخارجها فضلا عن عشرات المشاركات الأدبية من داخل مصر، وخارجها، فمن الصين شرقا، حتى اكسفورد بانجلترا، والجزائر غربا، ومن الدانمارك شمالا، حتى جوبا بالسودان جنوبا.. ثم يستطرد الكاتب الكبير ليقول: «بمحبة المبدعين كتبت عنهم، وكتبوا عنى، من قرأوا لى، وقرأت لهم، إنى أمثل الانسان العادى وليس البطل، متواضع سعيد بمشوارى الذي أدين به لمن أبدعونى، وأبدعتهم».

حقا، لقد كان «الشارونى» عظيما بحكم «الوجدان العام» بحكم تلقى الناس لأدبه، وانفعالهم، كان مبدعا حقيقيا، أتى بما لم يستطعه غيره، كانت قصصه تخرجنا من التشابه إلى التفرد لنعرف أن المبدع هو الوطنى الحقيقى. من أهم مؤلفات يوسف الشارونى قصص قصيرة أشهرها: «العشاق الخمسة 1954»، و«رسالة إلى امرأة» 1960، و«الزحام 1969»، «وحلاوة الروح» 1971، و«الكراسى الموسيقية» 1990، و«الضحك حتى البكاء» 1997، و«أجداد وأحفاد» 2005.

وهو حاصل على جائزة الدولة التشجيعية فى القصة القصيرة عام 1970 عن مجموعته »الزحام« وجائزة الدولة التشجيعية فى الدراسات الأدبية عام 1978 عن نماذج من الرواية المصرية، كما حصل على جائزة الدولة التقديرية فى الآداب، عام 2001، وجائزة سلطان بن على العويسى الثقافية عام 2007، وغيرها من الجوائز. وفى كتابه «رحلة عمر مع نجيب محفوظ» وهى التى تمتد فى الزمن أكثر من نصف قرن، وأبدعها الحب، حب الشارونى لنجيب محفوظ، الذى نشأ منذ نهايات منتصف القرن العشرين فأبدع حوارا خصبا بين الجيلين فى سابقة نادرة فى تاريخ الأدب العربى. ويرى «الشارونى» أن نجيب محفوظ و«جبران خليل جبران»، هما أكثر الأدباء العرب انتشارا على المستوى العالمى (مباهج التسعين ص 188). ومن ألمع كتب «يوسف الشارونى»، كتاب بعنوان «حفيدات شهرزاد» وهو يجمع ما بين مبدعات للقصة القصيرة أو روائيات، وما بين مصريات، وشقيقات عربيات طالبن بحق «أنوثتهن» بأن يتجمعن على صفحات كتابه، برهانا على أن ابداع المرأة لا يقل توهجا عن إبداع الرجل ولا تنوعا.

ولكاتبة هذه السطور مجموعة قصصية فى هذا الكتاب بعنوان: «نصف سرير.. ووسادة» عن فرحة المرأة وانكسارها فى مجتمع ذكورى.

والمعروف أن الأدب العظيم هو القادر على التغيير، وعلى أن يحمل الناس كى يفكروا على نحو مختلف، ويصبحوا قادرين على التغيير.

فقصة «الحذاء» التى كتبها، ونشرها «الشارونى» عام 1951، هى قصة قصيرة تدور حول رجل يرتدى حذاء قديما.. كل فترة يقطع، فيذهب الرجل إلى الاسكافى لإصلاحه.. تكرر الأمر عدة مرات.. وأخيرا، قال له الاسكافى: مفيش فايدة.. لازم جزمة جديدة!

وما أراد أن يقوله «الشارونى» من خلال قصته، كان جليا: «البلد ماعادش ينفع فيها الترميم، والحبوب المسكنة، لابد من التغيير الشامل».

ويلاحظ أن هذه القصة نشرت قبل ثورة يوليو بفترة وجيزة.

هذا هو «يوسف الشارونى» النافذ إلى قلب الشخصية المصرية، والذى قدم الأجيال الجديدة فى الكتابة والابداع لمجتمعه، وأبهر وطنه بالعطاء الدائم حتى بلغ «سن البهجة» بعد التسعين.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف