نكأ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات وحاكم دبى، جرحا عربيا غائرا ولايزال يبحث عن طبيب يداويه ولم يجد، وذلك عندما تحدث عن قضايا الإعلام والتعليم وغيرهما، أمام القمة العالمية للحكومات قبل إسبوعين. فكشف عن فضيحة «الإعلام المرئى» العربى الذى استنزف نحو 30 مليار دولار ليؤسس 1300 محطة فضائية، تحرض معظمها على الثورات، وبعضها طائفى لا يبث سوى الفتن والاضطرابات.
وفات العرب استغلال تكلفة تأسيس هذه القنوات، لإنشاء المدارس والجامعات والمراكز العلمية وتشغيل الشباب العاطل، ربما كان حالنا اليوم أفضل، وكنا تجنبنا ثورات الشعوب ضد حكامها، وما تلاها من مكائد وفتن، كما كنا تجنبنا تأسيس «داعش» وأخواتها فى معظم البلدان العربية.
تمادى العرب فى انفاق كل هذه المليارات على الفضائيات الفارغة لإلهاء الشعوب عن التفكير فى معاناتها وتخلفها، ولم تتوقف المشكلة عند رجال الأعمال فقط، لأن الحكومات ذاتها شاركت فى هذه المهزلة، وسارعت فى تأسيس مجموعات فضائية لن يستفيد منها الشعوب اللهم سوى مشاهدة برامج ضحلة ومملة ومكررة ولكن بعناوين جديدة.
ولو اهتمت الحكومات ورجال الأعمال وأجهزة المخابرات بالتعليم والبحث العلمى لكان نبأ رحيل المؤرخ الدكتور مصطفى العبادى عن دنيانا الأسبوع الماضى خبرا رئيسيا فى جميع الفضائيات، ولكن هذه القنوات لم تلق بالا للعلم والعلماء، فهذا العالم الجليل هو «عراب» مكتبة الإسكندرية، وللأمانة نعتته المكتبة وتأسفت لرحيله معترفة بفضله على إعادة إحيائها.
شغل عالم مصر الراحل العديد من المناصب الأكاديمية فى مؤسسات علمية ومحلية ودولية. وشارك فى اللجان التحضيرية لمشروع احياء مكتبة الإسكندرية، حيث كان صاحب فكرة إحياء المكتبة القديمة وكان القوة الدافعة وراء خروج المكتبة الحالية الى النور، كما هيأ الرأى العام العالمى لهذه الفكرة.
وله كثير من الكتب المهمة، منها «العمدة» عن مكتبة الإسكندرية القديمة، ويعد كتابه «مصر من الإسكندر الأكبر حتى الفتح العربي» مرجعا مهما عن تاريخ مصر فى العصر اليونانى ــ الروماني.
وقد أثبت الدكتورمصطفى العبادى، أن مكتبة الاسكندرية القديمة لم يكن لها وجود عند الفتح الإسلامى مما يدحض القول بأن العرب حرقوا المكتبة، حيث إن المكتبة تعرضت للتدمير فى عهدها الأول بحريق يوليوس قيصر.
لقد فقدت مصر مؤرخا وعالما تنتفض الدول برحيله، ولكن ماذا نقول فى شعب «اتلهى» فى فضائياته!