الصباح
كمال الهلباوى
سر تأخر العرب والمسلمين 1-3
أحيانا أنظر فى بعض الكتب أو الكتيبات القديمة أو القديمة نسبيًا، للمقارنة بين الأزمان، وأوضاع الأمة العربية والإسلامية والفكر السائد فى محاولة للإسهام فى بحوث استشراف المستقبل أو قراءة الواقع وإدراك مدى التقدم أو التأخر عن ركب الحضارة محليًا وإقليميًا وعالميًا.
من هذه الكتب التى اجتذبتنى اليوم، كتاب مهم عن سر تأخر العرب والمسلمين للشيخ الهمام محمد الغزالى رحمه الله تعالى. والكتابات فى هذا الميدان قليلة وقد تثير المشكلات والمتاعب. جاء فى مقدمة الكتاب المكتوبة منذ أكثر من ثلاثين سنة ( أى سنة 1985) ما يلى:
«يستطيع الأتقياء أن ينقذوا المدنية الحديثة، وأن يكتشفوا المعايب التى تخدش قدرها... أو تسقط مكانتها! فهل يجديهم هذا الموقف فى جبر كسورهم وإزالة تخففهم؟ إن الفقير يستطيع أن يهجو الغنى وأن يفضح سؤرة الطغيان فى مسلكه! فهل ذلك نافعه؟ وهل ذلك الهجاء يسد جوعته ويستر عورته؟
من أمد بعيد أحسست أننا مصابون من داخلنا، وأن مواريثنا الفكرية لا تنبع من ديننا، بل من تعاليم دخيلة على هذا الدين... ومن أمد بعيد أحسست أن هناك ازورارًا عن توجيهات الإسلام الحاسمة فى الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية تمشيًا مع أهواء فرد من الأفراد، أو طبيعة جنس من الأجناس، وأن العبادات فقدت روحها، وأصبحت رسومًا ميتة، وأن الأخلاق سقطت عن عرشها، وأمسى تعامل الناس وفق غرائزهم، وأن الصراع العالمى ليس بين الإسلام وغيره من أهواء البشر! هو صراع بين تطبيقات للإسلام ومسالك بشرية يقظة.
إن أهل الكتاب الأقدمين حرفوا الكلام عن مواضعه على نحو ما، ونحن- على امتداد عدة قرون- نغلف الوحى بأهوائنا حتى ضاع بريقه. وأكاد أقول لسكان القارات: إن ما ترون فى شئوننا ليس ما أنزل الله من كتاب ولا ما قدم رسوله من أسوة، إن ما ترون هو عوج أمة نسيت ما لديها ومضت مع هواها.
وقد سبق لى الكلام فى هذا الموضوع مثنى وثلاث، فى تفصيل طويل. بيد أننى هنا لجأت إلى نهج أكثر إفصاحًا، وذلك لأن دعاة إلى الإسلام يحدون شعوبه المثخنة إلى ذات الطريق الذى آذاهم وجر عليهم هزائم هائلة. وقد رأيت أصوات الجهال تعلو، تساندها قوى شريرة، وأصوات المصلحين تخفت لأن أعداء الحق يخشون عواقب صحوة حقيقية للأمة الإسلامية... بل قد يكون من أعداء الإسلام أشخاص يلحون فى الانتماء إليه، والحديث عنه! أى حديث؟ حديث يتناول مشكلات موهومة، ويتجاهل مشكلات قائمة، حديث يزيح الغبار عن الصورة الموجودة، ولا يعيد تشكيل هذه الصورة وفق ما للإسلام من ثقافة ذاتية وسياسية قويمة.
إننى أعلن أن ولائى الأول والأخير للإسلام، كما بلغه نبيه، ونفذه خلفاؤه، لا كما فعله الحاكمون باسمه، أو الجاهلون به، مهما بلغت مزاعمهم».
وأنا أكتب هذه المحاولة، أعتقد كذلك أن معظم شعوبنا ولاؤهم الأول والأخير للإسلام مثل الشيخ رحمه الله تعالى، ولكن المشكلة حاليًا تتجلى فى الفهم المتباين للإسلام بين إفراط وتفريط، وبين تشدد وتسيب وتنوع، حتى خارج المذاهب المعروفة. وتتمثل فى تخلف المسلمين عن الركب الحضارى العالمى.
كما جاء فى صفحة (11) من الكتاب تحت عنوان: أين الخلل، ما يلى حيث يقول الشيخ:
«فزعت لما سمعت قائلًا يقول: إن ألف مليون صينى قدرت الشيوعية على توحيدهم فى دولة كبرى على تنائى الديار واتساع الأقطار، أما الألف مليون مسلم فيبدو أن الإسلام عاجز عن جمع كلمتهم وحشدهم تحت راية واحدة. ! قلت: ويحك، أبصر ما تقول..! قال: هل ذكرت إلا الواقع؟ فأجبته على عجل: لو كانت الشيوعية تجمع لسدت الفجوة بين الصين وروسيا، أو بين الروس وأوروبا الشرقية التى تعنو لهم راغمة.! قال: هناك أسباب عارضة لهذه الجفوة! قلت: أولى بك أن تلتمس هذه الأعذار للأمة الإسلامية، بدل أن تتهم الإسلام نفسه بالعجز عن لم الشمل وتكوين الوحدة الكبرى..! وعدت إلى نفسى أفكر وأراجع وأتدبر! إن الأمة الإسلامية تعانى صدوعًا هائلة، وهى الآن موزعة على أكثر من سبعين قومية، أو سبعين جنسية سياسية بلغة هيئة الأمم ولغة «جوازات السفر» على سواء!! والإسلام سواء كان عقيدة أو شريعة كاملة ليس لها رصيد، وأتباعه تنال منهم ولاينالون، ويجار عليهم ولا يجيرون! وذئاب الشرق والغرب تغير عليهم فتفترس ما شاءت من القطعان السائبة دون أن يتمعر وجهه!!
الحق أن الأسباب كثيرة بين سياسية واجتماعية وثقافية، وأنها بدأت من قديم، ولكن الكيان الحى قد يغالب الجراثيم الوافدة ويهزمها، وقد يصاب بها ويتماسك تحت وطأتها، وربما استطاع العيش زمانًا، وهو يحس بها ويعالجها بمسكنات موقوتة. بيد أنه سيقع فريستها آخر الأمر، ما دام لم يتناول لها دواء يجلب العافية، ويحسم البلاء..!. انتهى كلام الشيخ. وللحديث صلة.
وبالله التوفيق
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف