الصباح
سليمان شفيق
عون فى القاهرة وصيد عصافير كثيرة فى زيارة واحدة
لاشك أن الجنرال عون قائد عسكرى ورجل دولة وسياسى ذو خبرة «معتقة» كللت بأنه المسيحى المارونى الذى استطاع أن يتحالف مع الشيعة عبر تحالف التيار الوطنى الحر وحزب الله
رئيس الحكومة العسكرية فى أغسطس 1988، والذى كان يرفض الوجود السورى الرافض لاتفاق الطائف 1989 لأنه يعطى لسوريا حق الانتشار، وبعد معارك ضارية تم نفيه من لبنان الى باريس 1990، من يصدق أن هذا المحنك أصبح أكبر المدافعين عن سوريا ونظام الأسد الآن ؟
كل تلك الخبرات المختزنة تراكمت فى دلالة واضحة عبرأول زيارة للرئيس اللبنانى ميشيل عون بعد توليه رئاسة لبنان إلى القاهرة، تلك الزيارة التى قال عنها الرئيس السيسى: «تطرقت مباحثاتنا للعديد من القضايا الإقليمية والدولية التى تهم البلدين، وفى مقدمتها مكافحة الإرهاب، والأزمة السورية، وأزمة اللاجئين التى تعانى منها لبنان، كما اتفقنا على ضرورة وقوف الدولتين معًا ضد مخاطر الإرهاب».
كما تكتسب زيارة الرئيس اللبنانى أهميتها أيضًا كونها استبقت انعقاد القمة العربية المزمع عقدها فى مارس المقبل، واستبق لقاءه مع السيسى، بتصريحات للفضائية المصرية تؤكد على موقفه الثابت فى دعم حزب الله اللبنانى مدافعًا عن سلاحه ومشاركة الحزب فى القتال مع الجيش العربى السورى، وشدد على أن الدول المشاركة فى مؤتمر آستانة اعترفت ببقاء الرئيس السورى بشار الأسد فى الحكم.
جاء رأى عون هذا متناغمًا مع رأى لجنة الشئون الخارجية فى مجلس النواب المصرى إبان الزيارة: «فإن أمن سوريا من أمن مصر وحمايتها واجب قومى»، فى إشارة واضحة لتطابق الموقف المصرى مع موقف الرئيس اللبنانى فيما يخص القضية السورية، وضرورة الحفاظ على وحدة سوريا وعدم تقسيمها بأى حال من الأحوال، ويتفق ذلك مع ما سبق أن صرح به الرئيس السيسى فى لقاء تليفزيونى بالبرتغال نوفمبر الماضى حينما دعا إلى وحدة الأراضى السورية والحفاظ على جيشها العربى السورى.
كل ذلك التقارب فى الرؤى.. دعا الرئيس اللبنانى مصر إلى الاضطلاع بدور أكبر فى مكافحة الإرهاب، من خلال مبادرة إنقاذ عربية، وجاء ذلك بالقول:«أعيد التأكيد أن الآمال معقودة على الدور الذى يمكن لمصر القيام به، فمصر الاعتدال والانفتاح، مصر السند والعضد، يمكنها إطلاق مبادرة إنقاذ عربية تقوم على وضع استراتيجية مشتركة لمحاربة الإرهاب الذى يضرب فى أرضنا».

ولم يغفل الرئيس اللبنانى أن تكلل زيارته للقاهرة بزيارة كل من شيخ الأزهر أحمد الطيب، وبابا الكرازة المرقسية تواضروس الثانى، كما التقى عون الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط، وقال إن العالم يعيش ظروفًا تشبه بمخاطرها ومآسيها الحرب العالمية الثانية وتداعياتها المدمّرة، التى لم يسلم منها شعب، مشيرًا إلى أن الفكر الصهيونى نجح فى تحويل الحرب الصهيونية-العربية إلى عربية-عربية.
إذن نحن أمام زيارة فى غاية الأهمية لأنها تضرب العديد من العصافير بحجرواحد، أولًا: تعد إعطاء مصر ملء الفراغ الذى تركته السعودية بعد تقلص دورها فى لبنان ، وثانيًا: تقارب غير مباشر بين وجهة النظر الإيرانية والمصرية عبر وسيط، ثالثًا: إعطاء مصر الضوء الأخضر لمحاولة الوساطة للتقريب بين السعودية وبقاء الأسد فى الحكم.
كل تلك المؤشرات قد تؤدى إلى مصالحة وتوافق فى القمة العربية المقبلة تتضمن أيضا سحب أو تجميد قرار الجامعة السابق باعتبار حزب الله منظمة إرهابية.
اختتم عون زيارته بالذهاب إلى الأزهر والكاتدرائية، لإدراكه دور المؤسسات الدينية فى الحراك العربى، الجنرال يعرف أن الأزهر له زعامة العالم «السنى» وأن الأزهر «الشيعى» التأسيس هو القادر الوحيد لإدارة الحوار بين المذاهب، وأن الدور الوطنى والقومى لبابا الأقباط الأرثوذكس البابا تواضروس الثانى خليفة مار مرقص تمتد نفوذها من إفريقيا وحتى «الآستانة» بروسيا، كل تلك التضاريس فى الخريطة المصرية ومكوناتها أؤكد أن الرئيس عون يدركها أكثر من كثيرين من المصريين الذين «ابتلينا بهم» مؤخرًا، لذلك أدرك الرئيس السيسى أهمية تلك الزيارة التى يهدف بها رئيس دولة عربية صغيرة إعادة مصر إلى قيادة العرب وهكذا تبدأ مصر رحلة استعادة القيادة من المشرق ، بعيدًا عن ابتزاز بعض دول الخليج والسعودية.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف