البديل
أحمد بان
أحلامنا فى وطن بلا تعذيب
يبدو الحديث عن مواد الدستور خصوصا تلك التى تتعلق بحماية الحقوق والحريات لونا من ألوان العبث أو الفكاهة، بعد وصف الرئيس للدستور بأنه دستور طموح.
فى البداية تصور البعض أن هذا الوصف كان لونا من الوان تهرب السلطة التنفيذية من بنود الإنفاق على الصحة والتعليم ، أو غيرها من المواد التى تتحدث عن صلاحيات رئيس الوزراء فى مواجهة صلاحيات الرئيس، يعنى التملص من إستحقاقات سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، لكن الحقيقة أن النظام السياسي المصرى درج عبر تاريخه، على إحتقار مواد الدستور حيث لم يستقر أبدا فى وعى أى نظام حكم مصر، أن هذه الوثيقة هى عقد اجتماعى ملزم لطرفين هما: السلطة والمجتمع، حيث يبقى المجتمع المشتت هو الطرف الأضعف فى مواجهة سلطة غشوم، لم نر سوى عضلاتها دوما ولم يظهر لها عقل يمكن التكهن بوجوده من خلال سلوكها.
لم يعد أحد فى مصر يرفع صوته فى الحديث عن موت السياسة، أو ابتذال سلطة الشعب عبر برلمان هزلي يتسلى أعضائه بعرض الحكومة عليهم تفاصيل تعديل وزاري لا يقل هزلية عن المشهد العام بجملته، بعدما تكفلت آلة القمع الناعمة فى مصر بتهذيب سلوك المعارضة التى تراجع سقف معارضتها أبعد بكثير مما كان عليه حتى فى عهد مبارك، حتى صدق فيهم قول الشاعر: رب يوم بكيت منه*** فلم مضى بكيت عليه.
لم يعد أحد يقدر على الحديث عن الجدية فى مكافحة الفساد، بعد أن أصبح مشهد رئيس الرقابة الإدارية فى افتتاح كل مشروع شهادة براءة للمشروع من أى فساد، وبعد أن تكرس مشهد قمع المستشار هشام جنينة ليكون رسالة لمن تسول له نفسه أن يشير الى أى وجه من وجوه الفساد، مالم تقر به السلطة التنفيذية فهى وحدها من يحدد حجم الفساد، وهى وحدها من يحدد حجم الاشتباك معه ونطاقه، بحيث لا ينال الحرم الآمن للفساد الذى يعبر عن كبار الحيتان الذين يفرضون إيقاعهم فى النهاية على كل مؤسسات الدولة.
أوجاع مصر متعددة ولا تتسع لها سطور مقال واحد، لكن لونا من ألوان الفساد فى الخلق والضمير وانتهاك القانون والدستورتعكسه آلة القمع الخشن، أعنى التعذيب، لا يمكن التسامح معه أو السكوت عنه أطول من ذلك.
الإنسان بنيان الرب، هكذا وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم، لاعنا من هدم بنيان الرب، مكفول الكرامة حيا وميتا، فكيف تنتهك كرامته بالتعذيب المادى والمعنوى، الذى تحول فى مصر إلى سلوك راسخ فى آداء أكبر وأعرق مؤسسة مصرية يمتد عمرها منذ ألاف السنين، والتى سجنت الأولياء والأبرياء والأهم الأنبياء دون رحمة.
فى ظل احتقار مواد الدستور والقانون الممنهج فى مصر، أقدمت وزارة الداخلية على إدخال تعديلات على اللائحة الداخلية لتنظيم السجون، تضمنت منح صلاحيات أوسع لمعاقبة المعتقلين منها إستعمال القوة متدرجا من استعمال خراطيم المياه الى أعيرة الخرطوش، ومنع الزيارات وزيادة الحد الأٌقصى لمدة الحجز الإنفرادى من 15 يوم الى 6 شهور، فضلا عن تقييد زيارة أعضاء المجلس القومى لحقوق الإنسان للسجن، حيث أصبح المجلس ملزما وفقا لتلك اللائحة بالحصول على تصريح من النائب العام.
تحول المجلس القومى إلى إحدى صيغ شهادة الزور التى تواطئت عليها النخبة المصرية بعد قبلت أن تلعب دور المحلل لتلك السياسات الظالمة، ولن يختلف الأمر كثيرا سواء صرح له بزيارة أو لم يصرح.
فى مصر رضخ الشعب إلا مارحم ربى لهذا المستوى البائس من الحياة، الذى يخلو من مشاركة الناس فى حكم أنفسهم عبر المؤسسات، أو الترشح فى انتخابات حرة توفرت لها كل عوامل النزاهة وتكافؤ الفرص والحياد الكامل للسلطة التنفيذية، وبدا أن مشاهد كمشهد الصدام الناعم بين شيخ الأزهر والرئيس هو رسالة أنه لا يوجد شخص أو مؤسسة تستطيع أن ترفع رأسها فى مواجهة رأس الدولة، وأن كتاب الثورة طوي وركبنا جميعا عجلة الزمان للوراء، رضخنا لغياب الحريات ولغياب المشاركة السياسة والحق فى التعبير والحق فى حياة تليق ببشر لم يجدوا عبر عقود من يحنو عليهم.
لكن ضمائرنا لم تعد تحتمل ما نسمعه ونعرفه كل يوم عن تعذيب يجرى فى السجون وأماكن الاحتجاز بمقرات أمن الدولة، أخبرنى من أثق بصدقه أن هناك فى بعض أماكن الاحتجاز غير القانونية من أمضى أكثر من أربع سنوات دون تهمة ويجرى تعذيبه ليل نهار.
لم يعترف الجهاز الأمنى فى مصر بأى تجاوزات أو إنتهاكات للقانون أو ممارسة التعذيب ،وهو أمر أصبح معلوما بالضرورة فى خطاب هذا الجهاز لكن ما يعلمه المصريون جميعا أن التعذيب فى السجون سلوك منهجى يستدعى وقفة جادة.
إن التعذيب مرفوض حتى لو كان لمتهمين من تنظيم داعش، إن إحترامنا وحرصنا على صيغة الدولة ودفاعنا عن وجودها يعتمد بالأساس على احترام حق الإنسان وإن كان مجرما عتيد الإجرام، ليطبق عليه القانون ويحدد عقوبته، أما ما يجرى فسيحاسبنا الله عليه، كل بحسب موقعه ودوره. قبلنا أن نحيا بلا طعام أو شراب أو حرية، فعلى الأقل نريد وطنا بلاتعذيب، هل هذا كثير؟!!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف