طلبتني موظفة من بنك القاهرة، حيث أفتح حسابي البنكي، وطلبت مني الحضور لمقر الفرع لتحديث بياناتي. ذهبت لفرع البنك لتحديث البيانات، فأعطاني الموظف المختص استمارة ذات ثلاثة أوجه فملأتها، وبعدها أعطاني إقراراً مكتوباً بالعربية والإنجليزية وطلب مني توقيعه. قرأت الإقرار الذي سأوقع عليه فوجدت نصه كالآتي : » أصرح أنا الموقع أدناه لبنك القاهرة بالإفصاح عن أية بيانات أو معلومات خاصة بحساباتي البنكية القائمة وما يستجد منها سواء كانت شخصية أو مالية أو أية معلومات أخري لدي بنك القاهرة إلي (internal revenue service irs)
أو لأي جهة أخري ذات صلة بتنفيذ قانون الامتثال الضريبي علي الحسابات الأجنبية (foreign account tax compliance act )
وذلك تحت مسئوليتي الكاملة ودون أدني مسئولية علي بنك القاهرة. »
تعجبت من هذا الإقرار الغريب. سألته : من تكون هذه الـ internal revenue service ؟
التي تريدون مني أن أعطيها حق الاطلاع علي حساباتي البنكية ؟ ومن هي الجهات الأخري التي يرد ذكرها في الإقرار ويجب أن أسمح لها بالاطلاع علي حساباتي وبياناتي هي الأخري ؟
قال لي : الجهة التي سيكون لها حق الاطلاع علي حساباتك وبياناتك هي مصلحة الضرائب الأمريكية، وهذا مرتبط بالقانون الذي أصدره أوباما بخصوص مكافحة غسيل الأموال. قلت له : ولماذا تطلع مصلحة الضرائب الأمريكية علي حساباتي ؟ وما علاقتي بأوباما وقوانينه ؟ أنا لست مواطناً أمريكياً، ولا أحمل جنسية مزدوجة، وليست لي حسابات في أمريكا، ولا أية تعاملات مالية مع الولايات المتحدة الأمريكية، وحسب معلوماتي القانونية المحدودة فإنه لا يجوز لأحد أن يطلع علي حساباتي دون حكم قضائي. قال بأدب : هذه تعليمات البنك المركزي، ولابد من التوقيع علي الإقرار. قلت : لن أوقع. ولا أصدق أن البنك المركزي المصري يعطي الولايات المتحدة الأمريكية حق الاطلاع علي حسابات المواطنين المصريين. مصر بلد حر مستقل وليس تابعاً لأمريكا. بدت علي وجه الموظف الحيرة. في نفس اللحظة سمعت خلفي صوتاً آخر يعلو محتجاً مثلي. التفت نحوه. رأيت عميلاً من عملاء البنك يرفض التوقيع ويقول كلاماً قريباً مما أقوله، ووجدت أمامه رجلاً من البنك عرفت أنه مدير الفرع ( فرع مجمع ماجدة بأكتوبر ). قال لي الموظف : أنا مضطر لأن أعرض أمرك علي المدير. قلت له : افعل ما تشاء. أبلغ الموظف المدير برفضي التوقيع. حاول المدير إقناعي فلم يفلح لأني تمسكت بقولي إن أمريكا ليست لها ولاية عليّ، وأني لا أسمح لها بالاطلاع علي حساباتي أو بياناتي. حينئذ غضب الرجل واكفهر وجهه، وقال لي : إذن فالبنك سيلغي لك حساباتك، وسيطلب منك سحبها. ولأن كل مالي في البنك عبارة عن شهادات، وسحب الشهادات يترتب عليه خسارة مالية لي لصالح البنك فقد قلت له : لن أسحب شيئاً، وإذا كان البنك يريد إلغاء الحساب فليقم بإلغائه، وحينئذ يكون لكل حادث حديث.
بدا علي وجه المدير الضيق. قال للموظف: اعطني رقم هذا الحساب لأعرف حكايته. تعجبت مما يحدث : هل صرت متهماً في نظر مدير البنك ويجب معرفة حكاية حساباتي لأني لا أريد التوقيع؟ أعطاه الموظف رقم الحساب وانصرف سيادته وعلي وجهه غضب لا حد له. إن الموضوع ليس خلافاً شخصياً بيني وبين المدير. إنه قضية قومية. كيف يسمح بنك القاهرة أو البنك المركزي أو أي جهة أخري في مصر لجهات أجنبية بالاطلاع علي حسابات المواطنين المصريين وبياناتهم؟ هل عدنا لزمن التبعية؟ هذه المسألة لا يمكن السكوت عليها. ولابد لبنك القاهرة وللبنك المركزي أن يشرحا لنا معني هذا، وكيف يجيزون اطلاع الولايات المتحدة علي حسابات وبيانات المواطنين المصريين. وفي كل الأحوال يجب أن يناقش المصريون الذين يؤمنون مثلي بأننا نعيش في وطن مستقل ذي سيادة هذه القضية، لتوضع الأمور في نصابها.