المصرى اليوم
شاهيناز وزير
لا تمنعوهن من ضرب الشيوخ والأطفال
لا تروي فتاة ردود أفعالها الشجاعة بخصوص التحرشات المهينة إلا ولامها الناس وحذروها من تكرار ذلك بدعوى أنهم يخشون عليها من عاقبة هذه الجرأة، خاصة لو ضربت الفتاة المتحرش - نعم هناك فتيات يضربن الشباب بل وينتصرن عليهم في عراكاتهن تلك- لا يحدث أن يلوم الناس الفتاة على صمتها أو يوبخونها على سلبيتها. على المرأة إذن أن تصمت مداراة «لعار» التحرش بها، فأكثرية النساء - وبصرف النظر عن خوفهن من «انتي السبب» أو «متخرجيش أو متلبسيش»- يشعرن بالخجل من عجزهن وواقع أنهن «اتعلم عليهم». لكن نوعا آخر من الصمت تتجه له الفتيات الآن في ظل تنامي روح التخاذل حولنا، وهو الصمت مداراة أخذ الحق خوفا من نقد أكثر لذاعة «افرضي قلك كلام وسخ»، «افرضي ضربك»، «افرضي كان شايل حاجة»، أو النظر إليها على أنها قليلة الحياء أو مسترجلة وربما أخذ البعض ينبذونها باعتبارها مضطربة بشكل ما أو عنيفة يجب تفادي التعامل معها خوفا منها فين أن ما دفعها لذلك هو حسها العالي بالشرف والكرامة الأمر الذي لم يعد يفهمه أكثر الناس من فرط النذالة والدياثة. فلتعلموا أن تلك الافتراضات والنصائح ليست وثائق سرية أو رسائل مشفرة تتطلب بصمة DNA للتأكد من هوية المتلقى، أنها تصل لمسامع الرجال قبل النساء وهي أمل المتحرشين للاستمرار في تحرشهم وممارسة إذلالهم لضحية يأملون أن تكون من ربائب الجبن والخنوع. هو يعلم أنها خائفة من كل تلك الافتراضات وإن لم تكن تخشاه فهي تخشى اللائمين أولئك الذين يفضلون رؤية الأيادي تمتد على مؤخرات النساء على سماع أصواتهن تعلو بالرفض أو تحرجهم بالاستنجاد. كل ذلك وأكثر كون واقع أن الفتاة أصبحت بمفردها تماما في مواجهة المتحرش، بل إنها وصلت لمرحلة أنها تطمح في مواجهته وحده دون دفاع الناس عنه.

ظاهر الأمر أن الخوف على الفتاة هو ما يجعل الناس يحذرونها من ردود أفعالها الإيجابية. ولكن هل تكمن المشكلة حقا في مواجهة خصم أقوى منها، فإن صفعته رد لها الصاع صاعين؟ وبصرف النظر عن أن في ذلك اعتراف صريح بالرغبة في التخلي عن الضحية، إلا أنه إن كان الأمر هكذا فعلا، إن كانت السيادة للقوة وشريعة الغاب، ففي شريعة الغاب كما يأكل القوي الضعيف فكل ضعيف هناك من هو أضعف منه، بمعنى إن كنتم حقا تتعاطفون مع الضحية وما منعتموها من أخذ حقها إلا لأنها لا تقوى على هزيمة رجل افترضتم أنه أقوى منها، فالمنطق يقتضي أن تدعوها تأخذ حقها ممن تستطيع هزيمته، أليس كذلك؟. أقصد أن المتحرشين ليسوا جميعا شبابا أقوياء صقلوا أجسادهم في الجيم أو «فواعلية» قضوا حياتهم في استخدام المعاول. كلنا نعلم أن من المتحرشين أطفالا في العاشرة بأجساد طرية وقامات قصيرة، وهناك أيضا الشيوخ، رجالا بأجساد نحيلة مثقلة بالضغط والسكر والمفاصل الهشة. فهل تسمحون لنا بأخذ حقنا منهم، صدقوا أن من السهل على غالبية الفتيات تأديب طفل أو عجوز، فماذا سيكون رد فعلكم حينها؟. ستشفقون على الطفل الصغير لو صفعته فتاة أكثر من شفقتكم عليه لو «كان الأسطى بتاعه بيضربه»، ستشفقون على العجوز لو قامت امرأة بسبه أكثر من شفقتكم على طفلة في السابعة تبكي بسبب اغتيال طفولتها وإحساسها بالأمان. بهذا يتبين كذب دعواهم بالخوف على النساء لأنهم يشفقون على الجلاد الشيخ والجلاد الطفل أكثر من شفقتهم على الضحايا العجائز والطفلات، لأنهم يمجدون الذكورة ويجعلون للذكور الغلبة والكرامة في أي عمر مهما أجرموا، بينما يرون الإناث مخلوقات لإمتاعهم حتى وإن كانت المتعة في إذلالهن. والدليل هو عندما تأخذ إحداهن شابا تحرش بها إلى مركز الشرطة لتأخذ حقها بالقانون، نجد الناس يطلبون منها العفو حتى لا يضيع مستقبل هذا المسكين. المشكلة أنهم لن يباركوا لنا أخذ حقنا بالقانون إلا لو رأوا منا البديل بسيرنا وفق «شريعة الغاب». فإن كانت مشكلتكم في أخذنا حقنا هي قوة الشباب العضلية، فلا تمنعونا عنه مع الشيوخ والأطفال أو أي رجل ضعيف العضلات. وإن كنتم لا تريدون شريعة الغاب، فأعينوا النساء وشجعوهن على أخذ حقهن بالقانون. فبدون أحد الخيارين لن تقل ظاهرة التحرش الجنسي.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف