الأهرام
سكينة فؤاد
عن ما وراء ما حدث فى استاد بورسعيد
سامحوني إن كنت عاجزة عن التعبير عن حجم الألم الذي يعصف بروحي وأنا أكتب عن الجريمة بل المذبحة التي خططت ونفذت بتدبير وإحكام شيطاني في استاد ـ مدينتي بورسعيد ـ هذه المذبحة التي اعتبرها البداية الفعلية لحلقات إهدار واتجار بالدماء لم تتوقف من تاريخ وقوعها في فبراير 2012 ومازالت تدار حتي الآن في محاولات مستميتة لإشعال نيران الغضب والفتن والصراع بين المصريين والقضاء علي أخطر وأهم ما هزموا به كل ما تعرضوا له من أخطار وتحديات عبر تاريخهم البعيد والعميق.. وهو تلاحمهم ووحدة صفوفهم!! هذه المذبحة البشعة التي لولا رحمة من الله بهذا الوطن وبأبنائه لتضاعف أعداد الشهداء والمصابين ـ وما أمكن حصار توابع إهدار دماء وحياة 72 من شباب النادي الأهلي وإصابة 254 آخرين وقتل وجرح المئات من أهل بورسعيد للأسف لم يتم الالتفات اليهم!! لقد انتهت محكمة النقض الاثنين الماضي 20/2/2017 أي بعد خمس سنوات من الدراسة لكل ما قدم من أوراق وما أحيل من متهمين وما جمع من أدلة إلي حكم نهائي وبات بإعدام 10 متهمين شنقا، وتأييد الأحكام الصادرة بالسجن المشدد والحبس مع الشغل والنفاذ لبقية المتهمين في القضية وعددهم 41 متهما.

لقد كتبت فور وقوع الجريمة البشعة ووصفت ما شاهدته ولمسته بنفسي عن حجم غضب ورفض أبناء بورسعيد لكل ما حدث واستمعت إلي نماذج من محاولات الانقاذ التي قام بها شباب من أبناء بورسعيد لانقاذ شباب من النادي الأهلي وبما ساعد في تخفيف حجم المأساة وما دبره المخططون والمنفذون لتحقيق ما أرادوا تحقيقه وتوقعوا حدوثه من نتائج!! وبالطبع أعقب المذبحة غضب مشروع وحق لأهالي الشهداء والمصابين... في نفس الوقت الذي توالي فيه تساقط المئات من أبناء بورسعيد قتلي ومصابين من جماعات عنف كانت تأتي من سيناء ولا تتوقف عن ترويع أبناء المدينة وتطلق الرصاص علي الأهالي وفي جميع شوارعها من مدافع تحملها سيارات قادرة علي عبور الصحاري والطرق الجبلية والوعرة ـ ومازلت اذكر ما نشرته في حينه نقلا عن اللواء أحمد وصفي القائد العسكري لمنطقة سيناء والقناة أن ما تشهده مدينة بورسعيد من أحداث عنف لا علاقة لأبناء بورسعيد به... وأن وراء ما تتعرض له المدينة ومنطقة القناة مخططات يشيب لها الولدان من حجم التآمر والتدابير الشيطانية ـ وأن كان لم يأت الأوان بعد لكشفها...!! أرجو ألا تكون قد خانتني الذاكرة عن تفاصيل ما كتبت في تلك الأيام عما يعيشه ويتعرض له أبناء بورسعيد الذين عادوا يجددون تاريخهم النضالي ومقاومتهم الباسلة دفاعا عن وطنهم وأفشلوا الغرض من مخططات العنف والإرهاب التي حدثت في مدينتهم ومن تدبير وتنفيذ مذبحة الاستاد لإشعال الصراع والتقاتل بين أبناء محافظات مصر.. ومحاولات البعض لتحويل بورسعيد من مدينة قدمت دماء وحياة أغلي أبنائها. ولم تعرف إلا دماءهم الطاهرة التي قدموها دفاعا عن استقلال وكرامة بلادهم، وبوابة تهزم وتستذل غزوات الطامعين والحالمين والواهمين بإمكان اعادة احتلال مصر إلي مدينة متهمة ومدانة بل ومسئولة عن المذبحة البشعة التي ارتكبت علي أرض استادها ـ وتجاهلوا الوقائع الدالة علي حجم المؤامرة الخبيثة التي دُبرت ونُفذت كجزء من مخطط استعماري جديد لإسقاط مصر بدءا بعدوان 1956 والانتصار المعجز لأبناء بورسعيد علي القوات البرية والبحرية والجوية لثلاثة جيوش وصولا واتصالا بتمكين الجماعات الإرهابية وعلي رأسها جماعة الاخوان لتنفيذ طبعة جديدة من المخطط الاستعماري القديم.

أتمني علي الأمهات والآباء المعذبين بفقد أبنائهم وأقسم اننا كأبناء لمدينة التضحيات والفداء الذين نعرف جيدا قيمة الوطن وقيمة حياة ودماء أبنائه لم نكن أقل من أهالي الشهداء عذابا أو غضبا، وأتمني عليهم باسم أرواح أبنائهم الشهداء أن يقرأوا جيدا ما وراء المخطط الشيطاني الذي أسقط أبناءهم في ضوء ما دُبر للوطن كله!! أعرف أنه لا شيء لا شيء، لاشيء علي الإطلاق يضمد جراح وآلام المذبحة التي تمت بحق أبنائهم.. ولكن ألا يستحق ما قدمته المدينة من دماء وشهداء من أجل حماية وفداء مصر كلها أن يستعلوا علي جراحهم ويشاركونا البحث عن تخفيف أحكام الإعدام لا عن مجرم حقيقي واحد.. ولكن من قال إنه وسط المشهد الدامي والدموي والفوضي المخططة أو الخلاقة التي اجتاحت الاستاد فور اطلاق صافرة النهاية بعد فوز النادي المصري والمسارعة بإطفاء أنوار الاستاد واكتشاف الأبواب الموصدة والمستحيل فتحها وانطلاق شياطين بشرية مكلفة بالمهمة القذرة!! نعم لقد حكم القضاء المحترم من خلال كل ما أتيح من وسائل للفحص والقراءة الدقيقة!! ولكن هل استجلاء الحقيقة وسط ما شهده الاستاد من فوضي واضطراب.. هل كان متاحا وممكنا؟!!! خاصة وقد أسندت النيابة وفق المنشور في الأهرام 12/2/7102 إلي المتهمين من الشرطة أنهم أحجموا ـ كل فيما يخصه عن مباشرة الواجبات التي يفرض الدستور والقانون القيام بها لحفظ النظام والأمن العام!!!

مرة ثانية كواحدة من أهل بورسعيد لا تستطيع الكلمات التي هي عصارة عمري أن تصف حجم الألم الذي أُحسه كما تعرض له أبناء النادي الأهلي في مدينتنا وإن كان يجب ألا نفصل ما حدث لهم أو نفصل ما تعرض له أبناء بورسعيد عمن استشهدوا.. وأصيبوا من مدنيين ومن أبناء الجيش والشرطة في حلقات إهدار الدم والاتجار به وترويع المصريين التي لم تتوقف حتي الآن!!

أتمني علي حكماء من أبناء بورسعيد ومن أهالي الشهداء والمصابين ومن النادي الأهلي أن يلتقوا للبحث عن تضميد وتخفيف آثار هذه المأساة التي أتمني أن نقرأها في إطار كل مازالت تتعرض له مصر من جرائم إرهابية خاصة في سيناء، حيث خططوا أن تكون مقدماتها في مدن القناة وفي بورسعيد التي كانت تتعرض بالفعل لأحداث عنف وهجمات جماعات غريبة عن المدينة ومسلحة، حيث يسهل ارتكاب جريمة بشعة وغادرة تفجر قلب مصر ووحدة وتماسك أبنائها وسط أضخم حشود للشباب وللجماهير تتجمع في الاستاد لمشاهدة مباراة بين الأهلي والمصري!!!

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف