المساء
خيرية البشلاوى
محمد ممدوح
بطل فيلم "بشتري راجل" يقف خارج المواصفات التي يفترض توافرها في الممثل الرومانسي الذي يخطف القلوب من أول نظرة.. انه شاب بدين نوعاً. أسمر. ملامح وجهه خشنة وحتي صورته ومخارج ألفاظه لا تجعله مرشحاً لأداء دور المحب الذي يدفع البطلة الجميلة العنيدة إلي التخلي عن قناعاتها الشخصية وموقفها الصلب ضد الرجال وضد الزواج وتقبل الارتباط به.
هذا الكلام أعلاه باطل وتقليدي قديم تجاوزته صناعة الفنون المرئية منذ حقب عديدة. ومع ذلك فإنه لا يلغي بطبيعة الحال قيمة الوسامة الشكلية كعنصر مهم. فالله جميل يحب الجمال. ولكن "الجمال" له تجليات أخري تتجاوز الشكل الخارجي الذي لا يستطيع وحده أن يمنح "البطل" السينمائي جواز مرور إلي القبول الجماهيري أو عشق الجنس اللطيف لصورته..
لقد كسر هذه القاعدة ممثلون كبار مثل أحمد زكي وعادل إمام نفسه الذي ظل لوقت قريب جداً يؤدي دور العاشق الأبدي وكاسر قلوب الحريم. اختلفت بالتأكد قواعد الحب الرومانسي وشروطه في عصر متسارع الإيقاع. متقلب المعايير وسداح مداح إنسانياً وغيرت التطورات التكنولوجية في عالم الطب ووسائل الماكياج وآلات التصوير والامكانيات المتاحة أمام "صناعة الوهم" أشياء شتي ومن ثم انفتحت قنوات لا نهائية تصب مباشرة داخل حجرات المعيشة وفي كل ركن داخل البيوت وخارجها..
ومحمد ممدوح لا شك قطع طريقاً ليس قصيراً في مجال المسرح والدراما التليفزيونية والسينما قبل أن يبدأ عصره الذهبي كممثل بعد مسلسل "جراند أوتيل" الذي نفذ به إلي قلوب وافئدة عشرات الملايين في المنطقة العربية والمتحدثين بلغتها في أي مكان من العالم.
هذا المسلسل يضع حداً فاصلاً بين ما قبله وما سوف يأتي بعده بالنسبة لمحمد ممدوح الممثل القدير.
والنجاح الفني والجماهيري يعتبر بالنسبة للممثل زاداً يغذي الطاقة المعنوية ويولد في نفس الوقت الخوف من فكرة التراجع في مكانته لدي جمهوره.
شخصية "بهجت أبو السعود" في فيلم "بشتري راجل" تكمن وسامتها في مقوماته البعيدة عن شكله. في مواصفات لا تظهر من أول نظرة. ومن أحاسيس تتراكم أثناء الفرجة ورصد رصيده كإنسان رقيق المشاعر. وطيب. وقادر علي الفعل الإيجابي وعلي الاشتباك مع الحياة من زاوية إنسانية خالصة.
في هذا العمل يؤدي دور طبيب بيطري يمتلك مزرعة توفر الفرصة لمتابعة سلوكه وعلاقاته مع الحيوانات باعتبارها كائنات حية لا تنطق وانما تشعر. وتحمل وتلد وترضع وليدها. وتحتاج إلي ما يحنو عليها. ومع ذلك فهذه النزعة الإنسانية الإيجابية يتم ترجمتها بلغة قريبة من القلب تحقق التواصل بعفوية ودون وسائل إيضاح كاللغة المنطوقة ومن خلال تعبيرات الوجه ولغة الجسد ونبرات الصوت وأساليب التعبير عن الانفعالات وبإحساس عميق يلون ملامح الممثل وأداءه ويحقق تأثيره المباشر علي المتلقي.
في "جراند أوتيل" لعب محمد ممدوح دور إنسان يبدو وكأنه ناقص الأهلية. ولكن مقوماته الكامنة تظهر حين يحركها زلزال من مشاعر الظلم والخيانة والغبن. أو مشاعر العاطفة النبيلة المجردة..
بعض المشاهد في هذا العمل حركت شهية الجمهور العادي وجعلته يملأ مواقع التواصل الاجتماعي "الفيسبوك" بالتعليقات المعبرة عن الاعجاب.
وبهذه الموهبة الربانية والتمرس العملي والجدية في التعامل مع الفن كفن وليس كوظيفة أو مصدر للشهرة والفلوس. تتراجع الوسامة الشكلية للممثل وتصبح القدرة التعبيرية والصدق الفني بديلاً لها..
وهناك عنصر آخر مهم ويُحدث فارقاً كبيراً بين مستويات الأداء وتأثيره. الا وهو ثقافة الممثل فالممثل المثقف واسع المعرفة غير ذلك السطحي والتافه الذي لا يري سوي انعكاس صورته في المرآة. ولم يسع لمعرفة مدارس التعبير والأداء المختلفة من خلال الفرجة علي الأفلام العظيمة التي حققت لأبطالها طول البقاء جماهيرياً حتي بعد رحيلهم فهناك عشرات الأسماء العظيمة محلياً وعالمياً التي أمتعت الناس وخلدت الشخصيات التي قاموا بأدوارها..
ومحمد ممدوح لا شك يضاف إلي القوة الناعمة الإيجابية التي تضيف للمتلقي إلي جانب الترفيه أبعاداً علي المستوي الإنساني اجتماعياً وزوايا نظر مختلفة عن معني الجمال والفن.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف