الأخبار
محمد السعدنى
خالد عبد الغفار: قادم جديد لوزارة قديمة
في حواره المهم مع الكاتب الكبير رفعت فياض، بدا الوزير خالد عبد الغفار مختلفاً عما تعودناه من وزرائنا الجدد بالحفاوة بالإجراءات والشكليات واستعراض النواقص والسلبيات، فقد انصرف في حواره نحو التطلعات والرؤي والطموحات والسياسات، ما شجعني أن أكتب تعقيباً علي هذا الحوار الذي أراه مهما لمستقبل التعليم العالي والبحث العلمي اللذين هما وسيلتنا الوحيدة للتقدم والنهضة كما كانا هما الركيزة الأساس لتقدم كل الدول التي سبقتنا وحققت نقلة نوعية كبري لبلادها، وقد شرحت ذلك تفصيلاً في مقالات سابقة وقدمت رؤي وأفكاراً حداثية، تصلح مشروعاً يمكن البناء عليه لتطوير منظومة التعليم العالي والبحث العلمي في بلادنا وتجسير الفجوة المعرفية الهائلة بيننا والعالم المتقدم، أو في حدها الأدني رؤية نقدية عن سياسات واستراتيجيات الوزارة يجدر نقاشها ودراستها.
في حواره المنشور في العددين الأخيرين من أخبار اليوم تحدث عبد الغفار بموضوعية وعملية بدا معهما واثقاً من نفسه طالباً التعاون مع الوزيرين السابقين، وهنا أتمني أن يكون ما قاله مجرد مجاملة طيبة من وزير أحسب أنه مسيس واع لما يقول، وألا يحصر تعاونه مع الوزيرين السابقين فطموحنا أن تتسع دوائر تعاونه مع كل أصحاب الخبرة والرأي والفكر من الجامعيين المهمومين بقضية التعليم، الذي ينبغي أن يكون مشروعنا القومي الأول لا فريضتنا الوطنية الغائبة، وأن يفتح آفاقاً جديدة لرؤي تبعد بنا عن التحكم والاستاتيكية وتسيير الأعمال والشكلانية، وأحسب أن نجاحه مرهون بذلك.
ولعلي أضع أمام عناية الوزير ما سبق أن أشرت إليه من أن وظيفية الجامعة في العالم كله تغيرت مستهدفاتها من تدوير واجترار المعرفة إلي إنتاج وإدارة المعرفة، فتحولت الجامعات ومؤسسات البحث العلمي من وزارة خدمية إلي ركيزة حداثية للاقتصاد المبني علي المعرفة بما يعنيه من تطوير وتحديث في إطار خطة استراتيجية للتنمية المستدامة. لذا أتصور أن جامعاتنا ومؤسساتنا البحثية تحتاج إلي إعادة الهندسة کE-ENGINEEکING أي إعادة التفكير بصورة أساسية في ماهية ما نقوم به الآن؟ ولماذا نؤديه بالطريقة الحالية؟ وما الذي ينبغي عمله لتطوير الأداء، وأن نبحث عن أساليب جديدة وعصرية لإعادة التصميم الجذري لأساليب العمل وإجراء تحسينات درامية وثورية في معدلات الأداء ونظم الجودة، وبما يحافظ علي رأس مالنا الفكري INTELLE»‬TUAL »‬APITAL من مهارات وقدرات وخبرات وأفكار وقواعد بيانات وأبحاث ودراسات وبراءات إختراع وتقنيات، أو ما يطلق عليه الأصول المعرفية أو قوة العقل التنظيمية أو رأس المال الفكري، وأن إدارتها هي إدارة المعرفة التي هي عصب الاقتصاديات الحديثة، اقتصاديات المعرفة، وهو الدور الحديث للجامعات ومؤسسات البحث العلمي، ما أحسب أن د. خالد يعرفه جيداً بدليل ما طرحه سيادته مع الأستاذ رفعت فياض حين أشار إلي استهدافه زيادة عدد الوافدين لجامعاتنا إلي خمسة أضعاف، وهي فكرة غير مسبوقة من وزير آخر، ولعلها تعكس رؤية تضع القوة الناعمة المصرية علي رأس طموحاتنا الجامعية، فالوافد سفير لبلادنا عند عودته لوطنه، وهو سياحة دائمة بإقامته لدينا ومصدر لعملة صعبة، ولقد سبق لمصر أن كونت رصيداً عربياً أفريقيا آسيوياً بمن درسوا في جامعاتنا والأزهر وقواتنا المسلحة بعد 23 يوليو ووصل بعضهم لمناصب كبري في بلادهم كانوا رصيداً لقوانا الناعمة، وداعماً لدور مصري رائد كقوة إقليمية وشريك دولي يعتد بحركته السياسية وثقافته وبعده الحضاري، وواضح من الحوار أن هذا يشكل قناعة قوية لدي الوزير.
وهنا أشير علي زميلنا د. خالد عبد الغفار أن يتعامل مع جامعاتنا الخاصة بما لها من إمكانات بشرية مميزة ورأس مال فكري يعتد به وما لديها من استثمارات وتجهيزات باعتبارها شريك تنمية لا شخصية اعتبارية من الدرجة الثانية، ويمكنه الاستفادة من شبكة ممثلينا ومكاتبنا في الدول العربية وأفريقيا وآسيا لزيادة أعداد الوافدين، وأن يفتح مجالاً أكبر للتعاون في زيادة القدرات الاستيعابية للجامعات الخاصة فجميعها علي استعداد لضخ استثمارات أكبر في توسعات جديدة وتخصصات وبرامج جديدة لتوفير مناخ يساعده علي تحقيق أهدافه، فالجامعات الخاصة أكثر تحرراً من القواعد والمعوقات البيروقراطية وأكثر سرعة وقدرة علي اتخاذ القرار وتمكين نجاحه وتوفير احتياجاته. ولعل سيادته يعيد النظر في القواعد المقيدة للدراسات العليا في الجامعات الخاصة، وأن يبحث مع زميلنا الدكتور أشرف حاتم أمين المجلس الأعلي للجامعات والمعروف نشاطه وخبراته أسباب تعطل بت لجان المجلس التخصصية في لوائح وبرامج الدراسات العليا في كلياتنا والترتيب مع مجلس الجامعات الخاصة علي آلية للتنسيق وسرعة اتخاذ القرار خصوصاً وعلي رأسه زميل محترم د. عز الدين أبو ستيت. ولا أخفيك سراً يا زميلنا العزيز أن بعض الوزراء السابقين أرهقونا بتصريحاتهم المستفزة ونظرتهم الدونية للجامعات الخاصة، رغم ما حققه بعضها من نجاحات وشراكات دولية علي مستوي التعليم والبحث العلمي، ولعل بعضاً من هذه الجامعات قدم للدولة وزراء وخبراء وأنت تعرفهم، وما كانوا يحققوا ذلك دون أن يكونوا علي مستوي عال من التنافسية وتميز الأداء. الجامعات الخاصة لا تزعجها الضوابط والمعايير، شريطة أن تطبق بموضوعية علي الجميع، وأن تعتبر الوزارة نفسها شريكاً ومنظماً لا رقيباً متربصاً، كل همه التشهير والتحكم وتوقيع الخصومات والوقوف علي مناقشة الإجراءات لا السياسات والاستراتيجيات، ولعلك سيادة الوزير تطالع محاضر جلسات الوزراء السابقين مع رؤساء الجامعات الخاصة لتقف بنفسك علي واقع الحال الذي نطمح معك لتغييره للأفضل.
زميلنا العزيز نعرف أنك وافد جديد علي وزارة قديمة، لكن ما طالعناه في حوارك مع أستاذ رفعت فياض كان مشجعاً بحد كاف للكتابة إليك، آملين أن يشكل عملك وفكرك وتعاونك نقطة انطلاق للتحديث والتطوير وتحقيق طموحات كبيرة للتعليم العالي والبحث العلمي.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف