النصيحة في اللغة بمعني "الإخلاص والتصفية" ونصحت له القول أي أخلصت له. ونصحت العسل. أي أخلصت العسل من الشمع. والدين النصيحة.. لذلك فهي ركن أساسي فيه.. يقول الإمام الشافعي: "تعمدني بنصحك في انفرادي. وجنبني النصيحة في الجماعة. فإن النصح لبني الناس نوع من التوبيخ لا أرضي استماعه".. ويقول العرب قديماً: ذهب ناصحاً. أي خالياً من الغش. وينصح ابن حزم بقوله: "إذا نصحت فانصح سراً لا جهراً. وبتعريض لا تصريح".. والنصيحة تحدث عندما تكون خالية من الغش والخيانة. وأن تكون بروح الأخوة والمودة لا تعنيف فيها ولا تشديد. تكون بعلم وبيان وحجة. لا بجهل وتبدأ النصح بالأهم ثم المهم. وبالأقرب إلي الأذهان والفهم. وبما يكون قبوله أتم. وبالرفق اللين. لا بالعنف والترهيب. وتختار أحسن العبارات. وتتلطف بالمنصوح. لأن الناصح رفيق شفيق. محب للخير راغب في الستر. ولذلك فهو يختار الوقت المناسب.. والقرآن الكريم والسُنة النبوية يؤكدان علي هذا.. ويقول المولي عز وجل في كتابه الكريم: "أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب. أفلا تعقلون" "صدق الله العظيم" البقرة: .44
وهنا يقول المولي لبني إسرائيل: تنصحون الناس. وتنسون أنفسكم. فمن باب أولي العمل بما تقوله!!
والنصيحة قول صدق وإخلاص وتوبة. ونهي عن المنكر وأمر بالمعروف. وهي كلمة علي لسان الأنبياء والرسل والصالحين. لأنها أساس عملهم. ولكنها عكس نصح الشيطان لآدم وحواء في الجنة. لأن ذلك وسوسة شيطان لإبعادهم عن الصواب. وهنا لكي يقنعهما لبس ثوب النصح!!.. وأفضل النصائح تأتي إلينا من قصة غير مباشرة. فهي تحرك العقل للوصول للهدف.. ويتضح هذا في قصة يوسف عليه السلام عندما نصح نبي الله يعقوب ألا يروي يوسف رؤياه علي إخوته. وأبناء يعقوب نصحوا أباهم بترك يوسف يذهب معهم لكي يلعب. وتلك وسوسة شيطان. وفي السجن نصح يوسف السجناء بالدين. وبالله الواحد القهار. وفي رؤيا الملك نصح من المولي بالاستعداد لحماية مصر من المجاعة والجدب.. كل هذا ظهر بين أيدينا في كتاب الزميلة "داليا عزت" نصائح في صناديق المشاهير ليستعرض لنا النصيحة في أوجه مختلفة ومتعددة سواء في أهميتها أو معناها أو صفاتها.. إلخ.. ليعرج بنا علي النصيحة في الأدب الشعبي وفي السير وفي الأمثال الشعبية أو في حكايات التراث بعرض لنماذج من مواقف لجحا تظهره في مواقف كثيرة بالتغافل وليس الغفلة. لأن الأولي تنقذ الموقف. وتحقق الهدف. أما الثانية فهي الحمق وعدم المعرفة. وهذا ما كان ينصح به جحا في مواقفه وهو التغافل.
وتشير الكاتبة إلي أن الوصول بالنصيحة إلي بر الأمان يتطلب من الناصح الصدق والإخلاص. وإحسان الظن والتماس العذر والبعد عن الوقوع في الخطأ والمصداقية والرفق واللين بالمنصوح وترك التعرض للنية. والعلم. وتحديد معيار المنكر المراد إصلاحه. والشعور بالمحبة وعدم التسرع.. ويتصدر الكتاب صورة "جيفارا وأينشتين وغاندي ومانديلا" وهؤلاء أعلام ومشاهير. ولكن كان للنصيحة دور مهم في حياة كل منهم. حتي أصبحوا من هم. لأن الناصح الجيد الأمين يحقق بالمنصوح الهدف.. أما الإهداء فهو إلي روح أبيها. وهنا يتأكد لنا أي نبوغ وتحقيق هدف أي فتاة. يكون السبب الأساسي هو الأب. لأن له دور عظيم في تشكيل وجدان ابنته.. وهذا ما أوضحه الكاتب الراحل نجيب محفوظ في الثلاثية عندما طرد أمينة لمجرد خروجها وذهابها إلي ضريح الحسين للزيارة. ذهب إليها السيد أحمد عبدالجواد لإرجاعها بعد فترة. وبمجرد وصوله لمنزل والدتها نزلت للعودة رغم أنه لم يصعد ورغم أنه هو الغلطان. ورغم اعتراض أمها علي ذلك والسبب الحقيقي هو تربية أبيها لها بأن بيتها هو الملاذ والأمل.. فهنيئاً للزميلة العزيزة علي ذلك الإصدار المتميز.