الجمهورية
فريد إبراهيم
آفة التلاوم
من أعراض الأمراض الاجتماعية التي تستفحل في المجتمعات وتصل فيها إلي ذروة في الفساد والتراجع آفة التلاوم حيث يقوم كل أفراد المجتمع بلوم كل أفراد المجتمع علي ما يقع فيه من فساد وسوء سلوك سواء أكان استغلال نفوذ أو رشوة أو سرقة أو عدم إتقان أو محرمات أخري فيلوم الجميع الجميع علي ما يرتكبون من هذه الموبقات. كأن الذين يلومون مبرءون مما يلومون عليه. فالكل برئ فمن المجرم أو من سرق المصحف..؟ كما قال الحسن البصري حين وجد الحضور يبكون تأثراً بموعظته ولم يجد المصحف الخاص به فقال: كلكم يبكي فمن سرق المصحف..؟
وفي قصة الحديقة أو البستان الذي اتفق أبناء الرجل الصالح بعد موته علي أن يجرموا الفقراء من حقهم الذي تعودوا عليه وقت جمع ثماره فذهبوا متآمرين علي خيانة الفقراء ففوجئوا بفساد الثمار كله فما كان منهم وهم الذين أجمعوا علي الخيانة إلا أن قاموا بلوم بعضهم البعض ولم يلم كل واحد نفسه يقول تعالي إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصر منها مصبحين ولا يستثنون فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون فأصبحت كصريم فتنادوا مصبحين أن أغدوا علي حرثكم إن كنتم صارمين فانطلقوا وهم يتخافتون أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين وغدوا علي حرض قادرين فلما رأوها قالوا إنا لضالون بل نحن محرمون قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين فأقبل بعضهم علي بعض يتلاومون فالجميع اتفق واصر والجميع لام وعاتب.
وفي الحديث النبوي: "يوشك أن يأتي علي الناس زمان أفضل عبادتهم التلاوم".
والتلاوم إذا ما كان لوناً من التناصح فلا شيء فيه لكن التلاوم هنا عتاب الآخرين ونصحهم ومن يقوم بذلك أحوج ما يكون إلي نصح نفسه فلو بدأ بنفسه قبل أن يلوم الآخرين لقطع الشوط الأكبر في العلاج بل أثبت صدقه فيما يقوم به من نصح وإيمانه بما ينصح به.
بل إن أثر الناصح الملتزم بما ينصح يبدأ قبل أن يقول أو ينصح لأنه سيؤثر بفعله أو لا قيل قوله لكن الذي يحدث في أيامنا أن الجميع يصف المرض والعلاج لكنه لا يعالج نفسه ولا يتوقف عن الوقوع في أسباب المرض.
فالجميع يعرف أن الكذب من الأمراض الخطرة والآثام الكبيرة التي تضرب المجتمعات لكن الجميع يقع فيه إلا من رحم ربي حتي صار سلوكاً يومياً. فالجميع يلوم الكذابين والجميع يكذب. والجميع يهاجم استغلال النفوذ لكنه يستغل النفوذ وكلنا يعرف آفة الغش وخطرها لكن الجميع يقع فيها بشكل أو آخر وكذلك الزنا وكذلك قول الزور إلي آخر الآفات لكننا نفعل ونلوم الفاعل.
من هنا فإن القضاء علي المرض لا يتحقق رغم صراخ الجميع ومطالبتهم للآخرين بمواجهته فمتي يواجه كل فرد مرضه أولاً..؟
يقول تعالي آتآمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلام تعقلون.. ويقول تعالي يأيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف