الجرائم العائلية تحولت إلي ظاهرة مخيفة تستحق وقفة جادة من جميع جهات الاختصاص للإجابة علي سؤال مهم: ما الذي أصاب الأخلاق في مقتل.. وكيف نستعيد قيمنا وعاداتنا التي تراجعت في هذا الزمن الفاسد؟!!
في الإسكندرية.. وبالتحديد في دائرة قسم ثاني الرمل.. تجرد شاب من كل المشاعر الإنسانية عندما أشعل النار في والدته بسبب رفضها إعطاءه أموالا. ربما لينفق منها علي إدمانه.. وفي دائرة قسم ثاني شبرا الخيمة. قام محامي بضرب والدته حتي الموت أثناء أدائها صلاة الفجر.. ومن قبل في الهرم أطلق رجل أمن سابق النار علي زوجته أمام ابنه بعد مشاجرة بسبب جهاز التليفزيون.. وفي أقصي الصعيد أزهق رجل حياة زوجته وجميع أبنائه لأسباب عبثية!!.. والأمثلة كثيرة. وكلها تؤكد حدوث شرخ في جدار العلاقات الأسرية يستوجب المحاسبة والتأمل.
في منتصف ثمانينيات القرن الماضي أجريت حواراً مع رائد علم الاجتماع الدكتور سيد عويس. رحمة الله عليه.. وبعد انتهاء المحاورة اصطحبني في جولة بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في إمبابة.. وأمام تمثال نصفي لشخص مجهول. توقف طويلاً متأملاً.. قبل أن يخبرني أن التمثال هو لأول شخص يقتل أمه قبل سنوات طويلة.. كان قتل الأم حدثاً مذهلاً يستحق التخليد في تمثال.. فالأم التي جعل الله سبحانه وتعالي الجنة تجري تحت أقدامها.. خط أحمر لا يمكن الاقتراب منه بالإيذاء.. واليوم أصبحنا نسمع كل يوم عن أمهات يُقتلن علي أيدي أبنائهن.. وعن أبناء يُقتلون بأيدي آبائهم.. وأشقاء يُقتلون علي أيدي أشقائهم.. فما الذي حدث ولماذا؟!!
الظاهرة المخيفة تكشف حالة التفكك والانهيار الأخلاقي. التي أصبحت تحاصرنا.. وتكشف تراجع مكانة وقيمة الأسرة.. وقائمة الأسباب تكشف ظواهر أخري مصاحبة. لا تقل خطورة.. وفي مقدمتها: الإدمان علي المواد المخدرة. والذي يجعل المدمن مسلوب الإرادة.. ويدفعه إلي إزهاق الأرواح بلا وازع من ضمير.. والجشع المادي والفقر المدقع والبطالة. أسباب أخري للظاهرة.. بالإضافة إلي الاضطرابات النفسية التي تؤدي في بعض الحالات إلي قيام المريض بإزهاق روح أقرب الناس إليه.. وقبل كل ذلك غياب الوازع الديني.
نحن إذن أمام ظاهرة تعكس غياباً كاملاً لقيم التراحم.. وتكشف عدداً من الظواهر التي تستحق ما هو أكثر من الاستنكار العاجز. والرفض السلبي.. ظاهرة تستحق دراسة علمية متأنية من قبل أساتذة علم الاجتماع والنفس ورجال الدين.. لمعرفة أسباب تراجع الأخلاق. وتدني منظومة القيم التي كانت من أهم سمات المجتمع المصري.