جمال محمد الملط
ترامب يدشن حقبة الدولار الضعيف
لم يكن فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية ليصبح الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة ويخلف سلفه الديمقراطي باراك أوباما محض صدفه ساقتها الأقدار إليه أو إلى الشعب الأمريكي أو –حتى- إلى دول أوربا وسائر دول العالم قاطبة.ولكن كان تتويجا لتوجه لفت إليه ترامب لقي ترحيبا من قطاعات عديدة في الشعب الأمريكي.. مما قاد إلى اقتناصه 274 صوتاً مقابل 215 لكلينتون بينما يتطلب الفوز الحصول على 270 صوتا على الأقل من أصوات المجمع الانتخابي البالغة 538صوتا فقد تبنى الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب رؤية اقتصادية تشجع خفض قيمة الدولار من أجل إعطاء دفعة للصادرات الأمريكية، وظهرت تلك الرؤية في تصريحاته هو وأفراد فريقه الاقتصادي، ما يدعو للتساؤل عم إذا كان انخفاض قيمة الدولار الأمريكي مؤخرا يأتي في إطار هذه الرؤية. بعد فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي أجريت في نوفمبر الماضي، ارتفع سعر الدولار حتى وصل في منتصف ديسمبر إلى أعلى سعر له خلال 14 عاما. ومن العوامل التي دفعت المستثمرين للتوجه إلى الدولار، توقعهم زيادة النمو في الولايات المتحدة نتيجة التخفيضات الضريبية الواسعة التي يدعو إليها ترامب، والاستثمار في البنية التحتية. إلا أن ذلك الارتفاع لم يستمر طويلا، حيث أخذت قيمة الدولار في الانخفاض شيئا فشيئا حتى وصل في يناير/ إلى أدنى مستوى له منذ 10 أعوام. ولعبت تصريحات ترامب وأعضاء فريقه الاقتصادية حول اعتقادهم أن قيمة الدولار الحالية مرتفعة للغاية، دورا كبيرا في هذا الانخفاض وفي الوقت الذي يُنظر فيه إلى عهد ترامب على أنه ولوج للسياسة الأمريكية في حقبة جديدة، تطفو على السطح عدة أمور جوهرية حيال طبيعة السياسة الأمريكية والظلال التي ستلقي بها على قيمه العملة الأمريكية ذات الورقة الخضراء "الدولار" يكاد يجمع المحللون والمعلقون الاقتصاديون، والمؤسسات الاقتصادية والمالية العالمية كبيرها وصغيرها، على أن "الخطر الأكبر على الاقتصاد العالمي يأتي من سياسات الحمائية التجارية التي وعد بها الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب" والحمائية التجارية، هي إجراءات فرض ضرائب ورسوم على الواردات من السلع والخدمات كحماية للمنتجين والموردين الوطنيين. بداية، ليس الأمر بجديد خاصة فيما يتعلق بالاقتصاد الأمريكي وسياسات الحماية للصناعات والمنتجات الأمريكية. ولا نعني هنا فقط سياسات الحماية وإجراءات فرض الرسوم والضرائب على الواردات للسوق الأمريكية من منتجات وخدمات اقتصادات أخرى، التي كان أهمها في نهاية القرن الثامن عشر وآخرها في ثمانينات القرن الماضي. وإنما يتناسى كثيرون أن منحى العولمة يشهد ردة فعل سلبية منذ سنوات، وكثرت في الأعوام الخمسة الأخيرة المقالات والدراسات التي تناقش آثارها السلبية ليس فقط على الشعوب "غير المحظوظة اقتصاديا" وإنما على الاقتصاد العالمي ككل. وبالتالي، يصعب تحميل دعوات ترامب لاتخاذ إجراءات حمائية لتشجيع الصناعات الوطنية، مسؤولية التردي المتوقع في التجارة العالمية أو الاقتصاد العالمي. ولنتذكر أن السياسات الأمريكية في عهد إدارة الرئيس رونالد ريغان وما بعده، وآخرها فرض رسوم إغراق على واردات الصلب من الخارج، لا تختلف كثيرا عما يدعو إليه ترامب. ولم تؤد تلك السياسات إلى انهيار الاقتصاد الأمريكي أو ركود الاقتصاد العالمي، كما كان البعض "يخوف" العالم وقتها من فزاعة الحمائية. ربما تكون مقترحات ترامب مغالية بعض الشيء، بمعنى فرض رسوم تصل إلى 45 في المائة على السلع والخدمات الأجنبية، و35 في المائة على ما تنتجه شركات أمريكية خارج الولايات المتحدة وتسوقه فيها، لكن ذلك في الأغلب كان من باب "الترهيب" ولن تكون السياسات الفعلية فترامب رجل الأعمال السابق الذي قدرت مجلة "فوربز" ثروته بنحو 3,7 مليار دولار مطلع أكتوبر الماضي يداعب أحلام وطموحات العمال الأمريكيين بمزيد من الوظائف و تخفيض نسب البطالة . وإذا أخذنا في الاعتبار هدف تنشيط الاقتصاد عبر زيادة الإنفاق الاستهلاكي ومشروعات البنية الأساسية الضخمة، فإن ذلك كفيل بتحسين نسب النمو في الاقتصاد الأمريكي، الذي قد يعود إلى قاطرة لنمو الاقتصاد العالمي حتى في ظل سياسات حماية تجارية ويرى جون ج. هاردي رئيس استراتيجيات العملات الأجنبية لدى "ساكسو بنك" أن استمرار الهيمنة الحالية للدولار الأمريكي في السوق سيلقي بضغوط متزايدة على كاهل دول منطقة الشرق الأوسط ، وإن من شأن سياسات الحماية الاقتصادية التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى اشتعال حروب تجاريه عالمية.